التغيير الفعال

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يوليو 3, 2015 - 18:11

لماذا التغيير ؟ الحياة متحركة لا سكون فيها ، فهي تسير بك من الميلاد إلى الوفاة .. وما بينهما حركة دائبة لا تنقطع .. كما قال هيراقليطس : إنك لا تعبر النهر الواحد في اليوم مرتين . والإنسان المتحرك يماشي طبيعة الحياة ، والجامد يُضَاُّد قانونَها .  لا خيار لك بين الحركة أو السكون ، لأن الحركة صميم الحياة ، والحركة إما إلى الأمام أو الخلف .. أعلى أو أدنى ، فإذا توقفت وظننت أنك ثَبَتَّ على مكانك فأنت واهم ، لأنه لا ثبات للإنسان في مكان ، وإنما هو ارتفاع أو انخفاض ، وذلك كالكرة حين ترمي بها في الجو ، تظل تصعد وتصعد .. وحين تقف في نقطةٍ معينة لا تتوقف ، وإنما تبدأ في النزول !! قال المفكر الجزائري مالك بن نبي : إنها لشريعة السماء : غير نفسك تغير التاريخ . وفي ذلك إشارة إلى قول الله تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . حين تتأمل تاريخ ارتفاع الأمم وانخفاضها ، وسمو الأفراد من الحضيض إلى القمة تجد مدار ذلك على " تغيير النفس " ثم " تغيير الحياة. العلاج النفسي ليس أكثر من : تغيير النفس لتكون على صورة الصحة النفسية . والإصلاح الديني ليس أكثر من : تغيير النفس لتكون على مقتضى الحكم الإلهي ، والرقي العلمي ليس أكثر من : تغيير النفس لتعتاد المنهجية العلمية في النظر إلى الظواهر المحيطة بك . فأنت ترى أن مدار " الصحة النفسية " و" الدين " و" العلم " على " التغيير " . لكي تصلح حياتك العملية أنت بحاجة إلى التغيير ، ولكي تتخلص من مشاكلك الأسرية أنت بحاجة إلى التغيير .. كل ما تريد أن تصل إليه على كل مستوى من مستويات حياتك بحاجة إلى أن تقف مع نفسك وتقول : لابد أن أغير نفسي .. ليتغير العالم .

  • يقول باولو كويلهو الروائي البرازيلي الأشهر : لدى كل واحد منا حلمه الشخصي وأسطورته الفردية وموهبته الخاصة الذي ينبغي عليه أو عليها أن يتبعها .. وعندما تريد شيئاً .. سيتواطأ العالم كله ليساعدك على إنجازه.

ما هو التغــيير المطلوب ؟

كما أسلفنا .. لا تخلو حياتك من تغيير ولكن .. هناك :

  • تغيير يجري من حيث لا تدري : كتغيرات النضج ، والتغيرات التي يسيرك الآخرون فيها دون رغبتك أو حتى انتباهك .
  • تغيير مضاد لمصلحتك : حين لا تكون قد خططت لقيادة حياتك بنفسك فسيقودك الآخرون شئت أم أبيت .. والآخر يقودك لمصلحته ، وليس لمصلحتك ، وقد تترافق مصلحتك مع مصلحته فتظن أنه يريد الخير لك ، ولكن لا تلبث أن تراه في أول افتراق بين مصلحته ومصلحتك قد ضحى بك .. والعيب ليس عليه ، وإنما على من جعل نفسه آلة بيد الآخرين يسيرونه لقضاء ما يريدون .. لا ما يريده هو !!
  • تغير تمسك أنت ناصيته : وهو التغيير النابع عن : رغبة ، وفكرة ، وتخطيط . وكل هذا منبعث منك أنت .

منهج التغييـــر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولن تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم.
في هذا الحديث تحديد لطريقة الإسلام في تغيير النفس وإكسابها الصفات الحميدة .
في هذا الحديث : نتيجة ، وصفتان ، وسلوك.
النتيجة : دخول الجنة.
والصفتان : الإيمان ، والمحبة.
والسلوك : إفشاء السلام.
وقد رتب الحديث النتيجة على الصفتين ، ثم رتب الصفتين على السلوك .
النتيجة عظيمة (دخول الجنة) ، والصفتان ساميتان ( الإيمان ، والمحبة) ، والسلوك بالغ البساطة (إفشاء السلام) .
وهذه هي عادة الإسلام ، أنه يقرن دائماً بين : جليل الأجر ، وعظيم الصفات ، ويسير الفعل.

أمثلـــة :

  1. تريد أن تحصل على الإيمان (صفة عظيمة) ، لكي تدخل الجنة (أجر جزيل) ، اعمل شعبة من شعب الإيمان : إماطة الأذى عن الطريق (سلوك بسيط).
  2. تريد الحصول على أجر الصدقة (ثواب جزيل) ، أمامك الكثير من السلوكيات السهلة للحصول عليه :

" كل سُلامى من الناس عليه صدقة ؛ فكل يوم تطلع فيه الشمس :

  • تعدل بين اثنين صدقة .
  • وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو تحمل له عليها متاعه صدقة.
  • والكلمة الطيبة صدقة .
  • وفي بُضعِ أحدكم صدقة.

قالوا : يا رسول الله ؛ أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر .
قال : أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر ؟!! فكذلك لو وضعها في الحلال كان له أجر ".

كثير من الناس يقف في بحثه عن التغير عند " الصفة " .. أريد أن لا أكون حسوداً ، أريد أن أكون طموحاً .. أريد أن أكون متفائلاً .. ولكنه يغفل أن كل " صفة " لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال " سلوكيات " .

طريقة عمل برنامج الارتقاء بالنفس :

خطوات التغيير الفعال :

  1. تأمل واقعك جيداً وانظر إلى ما فيه من سلبيات وإيجابيات وقدرات مُفَعَّلة وطاقات معطلة. (مرحلة المحاسبة والتقييم) .
  2. حدد الأهداف التي تريد الوصول إليها (الوصول إلى صفات متميزة ).
  3. حدد الأفكار التي تحتاج إليها للوصول إلى هذه الأهداف. (الفكرة المحكمة). 
  4. حدد السلوكيات التي تحتاج إليها لاكتساب هذه الصفات. (السلوك الفعال). 
  5. حدد البيئة الملائمة لنمو هذه الصفات. (البيئة المعززة). 
  6. ضع جدولاً زمنياً للتغيير. (استثمار الوقت). 
  7. ابدأ التنفيد ولا تتهاون . ( الفعالية ) .
  8. تدرج في التطبيق ولا تقفز. ( التدرج) .
  9. ضع قانوناً جنائياً لنفسك (قانون العقوبات والمثوبات).
  10. طور آلياتك حسب نتائج الواقع . (التطور).
  11. استعن بالله ولا تعجز . (تلقي مدد الله)

وهذا تناول لهذه الخطوات بالتفصيل :

1. تأمل واقعك جيداً وانظر إلى ما فيه من سلبيات وإيجابيات وقدرات مُفَعَّلة وطاقات معطلة. (مرحلة المحاسبة والتقييم) .

قبل البداية في التخطيط لشيء ينبغي أن تنظر إلى :

  • ما لديك من طاقات مفعَّلة أو معطَّلة . (ويتم ذلك بزيادة التأمل والتفكير في نفسك ، أو بسؤال بعض القريبين منك من الأهل والأصدقاء ، أو باستشارة بعض المختصين).
  • ما لديك من أخطاء (بتجرد شديد) ، لأن الاعتراف بالخطأ هو أساس فعل الصواب ، ودون اعترافك بخطئك لن تتخلص منه ، وليس المقصود من هذا الاعتراف أن تعيش مع خطئك وتشعر بالعجز عن التغيير ، وإنما المقصود أن تحدد السلوك الخاطئ ، وتعرف : دوافعه وأسبابه ومقوياته ومثبطاته . لكي تنشط في مقاومته وتعديله .
  • ما لديك من إيجابيات ، لتبني عليها قاعدة التغيير : فالإيجابيات دليل على قدرة الإنسان على فعل السلوك الصحيح وتحقيق الهدف . وفائدة رؤية الإيجابيات أنك كلما تراخيت بعد ذلك في تحقيق أهدافك تذكرت إيجابياتك ، وحدثت نفسك قائلاً : ما دمت قد حققت الإيجابيات السابقة ، فلماذا لا أحقق إيجابياتي الحالية. فهي بهذه الصورة " مرساة نجاح في تاريخك الماضي " بلغة البرمجة اللغوية العصبية .

القاعدة : دون النظر إلى ماضيك لن تعبر إلى مستقبلك .. ابحث عن طاقاتك وفَعِّلها .

 

2. حدد الأهداف التي تريد الوصول إليها (الوصول إلى صفات متميزة ).

بعد معرفة الأخطاء والإيجابيات والقدرات ، نبدأ في تحديد أهدافنا الواقعية ، التي نرنو إليها.
وينبغي أن تكون هذه الأهداف : محددة ، وقابلة للتطبيق ، وقابلة للقياس.
مثلاً :

  • أن أكون مؤمناً ... هدف بالغ العمومية ، ولكن : تحديده يتم بتحديد الصفات الإيمانية التي تريد الحصول عليها ( كثرة الصلاة مثلاً ) ، وإمكانية القياس تحدد (صليت اليوم من النوافل عدد ..... ركعة).
  • " أريد أن أكون من علماء الإسلام " : ليست هذه الكلمة هدفاً تسعى إليه ، ولكنها أمنية !!

لكي تحول هذه الأمنية إلى هدف ينبغي أن تحدد :

  • ما هو العلم الذي تريد التفرغ له الآن .
  • من مشائخه الذين ستدرسه عليهم .
  • ما هي الكتب التي ينبغي قراءتها فيه .
  • ما هو الجدول الزمني لدراسة هذه الكتب.
  • ما هي المعوقات عن بلوغ هذا الهدف .
  • كيف تتغلب عليها .
  • أريد أن أكون من كبار رجال الأعمال : ليست هدفاً .. وإنما أمنية !!

لتحولها إلى هدف :

  • كم دخلك الشهري الآن ؟
  • ما هي كفاءاتك لزيادة هذا الدخل ؟
  • هل مجال عملك الحالي يمكن أن يحقق لك زيادة في الدخل أم أنك محتاج إلى تغيير مجال عملك؟
  • ما هو العمل الذي تشعر أنك مبدع فيه ويمكن أن يدر عليك إبداعك فيه ثروة ؟
  • هل معلوماتك الحالية كافية أم أنك محتاج إلى دورات أو قراءت جديدة ؟
  • ما هو جدولك الزمني للوصول إلى أرباح محددة ( مثلاً : دخلي الشهري 5000 ريال .. ما الطريقة المناسبة لي حسب ظروفي الحالية لكي أضاعف الدخل إلى 10000 ريال) .
  • اعلم أن النجاحات لا تسير بصورة خطية .. وإنما تستخدم منطق "الوثبة". فإذا أصبحت متميزاً في عمل ما ( وهذا التميز لا يكون إلا بمنطق " النملة " السير الدؤوب .. والجهد المتراكم ) .. ولكنك حين تتجاوز مرحلة " النملة " وتصبح خبيراً في عملك .. ستجد أن الأرباح (سواء كانت مادية أو معنوية ) ستتوافد عليك من جوانب لم تضعها في حسبانك .

القاعدة : لا تكون الفكرة هدفاً حتى تحددها بصورة محكمة . وما لم تحدد فهي ليست أكثر من أمنية .

 

3. حدد الأفكار التي تحتاج إليها للوصول إلى هذه الأهداف. (الفكرة المحكمة)

  • السلوك مرتبط بالأفكار ، وكل سلوك تسبقه فكرة هي التي تسبب الانفعال ثم السلوك. 
  • إذا كانت لديك فكرة خاطئة عن نفسك أو عن الآخرين أو عن أهدافك فلن يمكنك تحقيق الهدف.
  • احصر الأفكار السلبية التي يمكن أن تثبطك عن تحقيق هدفك .
  • ضع بديلاً لها من الأفكار الإيجابية الملائمة للهدف.
  • عزز هذه الأفكار البديلة بالأدلة والبراهين على صحتها.
  • كرر هذه الأفكار البديلة في ذهنك حتى تستقر مكان الأفكار السلبية وتصبح هي الأصل.

نحن نغفل عن : أثر الاعتقاد على الفاعلية الشخصية .
حين تتحول الفكرة إلى معتقد راسخ تصنع الفعل .
بيل غيتس .. أغنى رجل في العالم .. كان طالباً في السنة الثانية الجامعية .. وجاءه صديقه ليخبره بالفرصة الملائمة ، وهي " اكتشاف معالج جديد .. والحاجة إلى وضع برنامج ملائم له " .. لو كانت فكرة بيل غيتس عن نفسه كالتالي : أنا الآن طالب .. وغير قادر على التفرغ للعمل .. والأفضل أن أتم دراستي .. ثم .. ليست لدي المهارات الكافية .
لو فكر بهذه الطريقة فسيصل إلى اعتقاد : أنه غير قادر .
الفكرة حين تترسخ تصبح اعتقاداً .. وليس الإنسان بأكثر من مجموعة من الاعتقادات الضمنية اللاشعوية التي يمتلئ بها عقله الباطن .. وهي التي تحركه دون أن يدري .

القاعدة : انتبه لأفكارك .. لأنها تتحول مع امتداد الزمن إلى معتقدات .. وهذه المعتقدات هي أساس الفعل .

 

4. حدد السلوكيات التي تحتاج إليها لاكتساب هذه الصفات. (السلوك الفعال)

بعد تحديد " الصفات " و " الأفكار " عليك تحديد السلوكيات التي ينبغي أن تقوم بها للحصول على " الصفات " التي تريدها .
وهذه النقطة بالغة الأهمية لأنها تحول الكلام العام إلى إجراءات .
حتى لو حددت الفكرة فإنها ستظل نائمة في الذهن ما لم تتحول إلى إجراءات سلوكية .

مثلاً :

الصفة المستهدفة : " الكرم " . 

الأفكار الملائمة :

  • أنا قادر على أن أكون كريماً .
  • لن يتلف الكرم مالي ، وسيخلف الله عليَّ فيما ابذله.
  • الكريم قريب من الله قريب من الناس .

السلوكيات المطلوبة :

  • التصدق بمبلغ ريال كل يوم .. أو 10 ريال كل أسبوع.
  • دعوة المحتاجين للطعام في بيتي مرة كل شهر.
  • كفالة يتيم .

الصفة المستهدفة : التفوق في الدراسة . 

الأفكار الملائمة :

  • لدي كل المقومات الكافية للتفوق .
  • يمكنني إبداع الاستراتيجيات الصحيحة لتجاوز العقبات .
  • أنا أستحق - بفضل الله - أن أكون متميزاً في دراستي .

السلوكيات :

  • الإنصات إلى شرح المعلم وسؤاله عما أجهله .
  • استذكار الدروس يومياً لمدة ساعة كل يوم .
  • استذكار الدروس أسبوعياً لمدة ساعتين يوم الخميس أو الجمعة .

القاعدة : ترجمة الفكرة إلى سلوكيات هو الذي يحولها من الخيال إلى الحقيقة .

 

5. حدد البيئة الملائمة لنمو هذه الصفات. (البيئة المعززة) .

لا يُتَصَوَّر أن تتخلص من الإدمان على المخدرات وأنت في بيئة مدمنة ، وكذلك لا يمكنك كسر إدمانك على العادات السيئة دون تغيير البيئة.

  • ابدأ بتحديد البيئة الملائمة للصفات التي تريد اكتسابها : لتكون طبيباً ينبغي أن تكون في بيئة طبية ، ولتكون حرفياً صاحِب الحرفيين ، ولتكون صالحاً كن مع الصالحين .
  • انتقل إلى البيئة الملائمة للسلوك المستهدف ( إن أمكنك ذلك ) .
  • إن لم تستطع الانتقال إلى هذه البيئة فحاول أن تغير في بيئتك بالتدريج لكي تصل إلى البيئة المطلوبة.
  • غير صداقاتك القديمة مع سلبيين ، وابدأ صداقات جديدة مع إيجابيين .

وفي حديث الرجل الذي قتل مائة نفس أبلغ دليل على أهمية تغيير البيئة ( دع أرضك التي أنت فيها فإنها أرض سوء) .
كما أن بقاء الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة (دار الأرقم بن أبي الأرقم) في مكة ، ثم انتقالهم إلى المدينة كان بحثاً عن خلق بيئة إسلامية ملائمة لتحقيق أهداف هذا الدين الجديد ، وسط بيئة جاهلية .
ثم امتد عبر تاريخ الإسلام كله سنة العلماء في " الرحلة في طلب العلم " ولم يكن ذلك بحثاً عن " المعلومة " بقدر ما كان " العيش في البيئة التي تُكسِب العلم " .
حين أراد عبد الرحمن بن عوف رضوان الله عليه ( تاجر العصر النبوي الشريف ) أن ينتقل من مهاجر لا مال له .. إلى تاجر رابح قال لأخيه : دلني على السوق .

القاعدة : انتقل إلى البيئة التي تساعدك على التغيير .. فإن لم تستطع الانتقال إليها فاخلقها !!

 

6. ضع جدولاً زمنياً للتغيير. (استثمار الوقت)

دون أن تضع لنفسك جدولاً زمنياً للوصول إلى الأهداف فلن تصنع شيئاً.

  • والجدول الزمني هو " القابلية للقياس " التي ذكرناها من قبل .
  • حدد السلوك المطلوب ( كثرة الصلاة ) .
  • حدد الكمية المطلوبة من السلوك ( السنن الرواتب ، و 3 ركعات قيام الليل).
  • ضع جدولاً متدرجاً بذلك . ( أبداً بجزء من السنن الرواتب وبركعة واحدة في قيام الليل لمدة أسبوع ، وفي الأسبوع الثاني : السنن الرواتب و 3 ركعات ، في الأسبوع الثالث : السنن الرواتب و5 ركعات) .

 

سأل أحد رجال الأعمال صحفياً : ما هدفك .
قال : أن أشتري بيتاً على البحر في يوم من الأيام .
قال له : هذا ليس هدفاً .. الهدف أن تقول : أشتري بيتا في منطقة كذا ، صفته كذا ، وسعره الحالي كذا ، ثم تحسب دخلك الشهري ، وما يمكن أن تدخره منه لتحقيق هذا الهدف ، ثم تحسب مقدار التضخم في السنوات القادمة ، وتحدد : كم سنة يكفيك لتحصل على المبلغ الكافي للحصول على هذا البيت .
بهذه الصورة .. يكون لك هدف محدد قابل للقياس .
في دراستك .. عملك .. حياتك الأسرية .. علاقاتك الاجتماعية .. علاقتك بالله تعالى .. تعلم أن تكون أهدافك قابلة للقياس .. وإلا فستكون كمن يظن أنه يسير بينما هو واقف في مكانه .. والقطار هو الذي يسير به .

القاعدة : ضع لكل هدف تدرجاً زمنيا تصل من خلاله إليه .

 

7. ابدأ التنفيد ولا تتهاون . ( الفعالية ) .

قال تعالى " وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت : فتوكل على الله ، إن الله يحب المتوكلين " . ومن أشد آفات الفكرة : أن تظل دائرة في عقل صاحبها دون الانتقال من التفكير إلى التنفيذ .
وإذا بدأت العمل بعد إمعان الفكر فيه .. فلا تتراجع عنه .
حين بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسير كفار قريش إلى أحد ، استشار الناس في الخروج إليهم أو البقاء في المدينة ، فأشار عليه عدد من الشباب ممن لم يحضر بدراً أن يخرج إليهم .. فاستجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهم رغم أنه كان يميل إلى غير رأيهم ، ثم ندموا على ذلك فاعتذروا إليه ، وسألوه أن يعود إلى الرأي الآخر - البقاء في المدينة- ، فأرسى صلى الله عليه وسلم قاعدة العزيمة بقوله : " ما كان لنبي إذا لبس لأمته (أي لباس الحرب) أن يخلعها حتى يقضي الله في أمره .
وإذا ظللت دائراً مع أفكارك تنتقل من فكرة إلى فكرة .. دون أن تتجاوز التفكير إلى العمل .. فستميت في الفكرة قوتها ، وتحولها إلى " خيالات " و " أوهام " .. وباعتيادك على هذا تتحول إلى " عاجز " يظن أنه غير قادر على الفعل .

قاعدة : إذا عزمت فتوكل على الله .

 

8. تدرج في التطبيق ولا تقفز. ( التدرج) .

آفة كل برنامج هي : الحماس في البدايات ، والفتور بعد ذلك .
وأحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ ، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون العمل "دِيمةً " ، وإذا هجمت على العمل كله في البداية فماذا تركت لنفسك بعد ذلك ؟؟

  • اجعل كل أعمالك متدرجة في الوصول إلى النتيجة الكاملة.
  • اقنع بالقليل في البداية .. ولكن .. لا تتهاون مع نفسك إن تخلت عنه.
  • كلما وصلت إلى مستوى معين من التطور كافئ نفسك عليه ، وثبت نفسك فيه.
  • انتقل بهدوء إلى المستوى الذي يليه .
  • راقب التطور ، واحمد الله على كل تطور حتى ولو كان قليلاً ، ما دام ضمن الخطة الزمنية له .

 

قاعدة : إذا كان الله جل وعلا قد خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو الخالق القدير ، فينبغي أن لا تظن قدرتك على تحقيق مرادك في لحظة وأنت العبد الضعيف .

 

9. ضع قانوناً جنائياً لنفسك (قانون العقوبات والمثوبات).

لابد من وضع آلية لإثابة نفسك على تحقيق الهدف ، ولمعاقبتها على التقصير فيه.
ودون الثواب والعقاب لا يمكن للسلوك أن ينمو .

  • ضع لنفسك جدولاً للتعزيز الذي يناسبك .
  • قسم هذه المعززات إلى مستويات ، واجعل أعلى مستوى من التعزيز مرتبطاً بالوصول إلى الهدف الأسمى .
  • ضع جدولاً آخر بالمعززات السلبية (سلب المعزز الإيجابي .. الحرمان من أشياء تحبها ) أو العقوبات ، واقرنها بالتدريج بتقصيرك عن فعل ما خططته لنفسك .
  • كن صارماً مع نفسك في الثواب والعقاب .
  • حبذا لو أشركت غيرك معك في ذلك.

 

قاعدة : حين تحدد أنت لنفسك مقدار الثواب والعقاب فستلتزم به . ولا دافع إلى عمل لا ثواب له أو لا عقوبة عليه .

 

10. طور آلياتك حسب نتائج الواقع . (التطور بالانفتاح على الواقع )

قد يضع الإنسان لنفسه أهدافاً ويحدد لها أفكاراً وسلوكيات ، غير أن التطبيق الواقعي يثبت له أن هناك بعض الخطأ في آلياته السلوكية أو أفكاره ، وعلى الإنسان أن يكون منفتحاً على الواقع ، مرناً ، قابلاً للتغيير في خطته حسبما يراه ملائماً للوصول إلى هدفه .
والمرونة لا تعني النكوص عن الفعل ، وإنما تعني : تغيير الخطة غير الملائمة إلى خطة ملائمة للوصول إلى هدفٍ صحيح .
وهذه القاعدة بالغة الأهمية .. وهل الفرق بين المنفتح ذي القدرات المتميزة في التعامل مع الحياة ، والمنغلق الذي يظن أن أفكاره لا تقبل التبديل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يأتيه خبر السماء ، يغير من أفعاله (الدنيوية ) إذا رأى أنها غير مجدية في الواقع .. فها هو في بدر قد أنزل الناس منزلاً .. ثم جاءه الحباب بن المنذر رضي الله عنه فسأله إن كان الأمر وحياً لا يملك معه إلا الطاعة ، أو فكرة قابلة للتغيير ، فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم أنه : الرأي والحرب والمكيدة .. فأشار عليه بموقع آخر .. واستجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيه .
وحياة المبدعين في كل مجال ملأى باختبارهم لأفكارهم وأهدافهم في تربة الواقع .. واستجابتهم للنتائج بالتبديل والتغيير .

قاعدة : كن مرناً .. وإذا لم تكن خطتك مناسبة لتحقيق هدفك فلا ضير عليك من تغييرها .

 

11. استعن بالله ولا تعجز . (الاتصال الدائم بالله جل وعلا) .

إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهادُه
لا تظن مهما بلغت خطتك من الإحكام أنك قادر على تنفيذها دون مدد الله تعالى لك . فلا يكون في ملك الله إلا ما يريد .
وهذه القاعدة تفيدك في أمرين :
الأول : أنها أساس تحقق المراد . لأنه لا مدد إلا من الله جل وعلا .
الثاني : إذا لم يتحقق لك مرادك فلن تحبط .. وإنما ستعلم أن هذا مراد الله عز وجل لك ، ولا يريد الله تعالى لعبده المؤمن بعد استخارته له إلا ما هو الخير .
فإذا تحقق أمرك نلت مرادك .. وإذا لم يتحقق لم تسقط في هوة الإحباط والمرض النفسي ، والتسخط على قضاء الله جل وعلا وقدره .
والاستعانة بالله تعالى مدارها على الشعور بالافتقار إليه ، وأن كل فعل يصدر عن العبد إنما هو مستمَدٌّ من كرم الله جل وعلا " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد " .
والاستعانة بالله تعالى تكون بالإلحاح في دعائه وإظهار الفقر بين يديه جل وعلا .

قاعدة : استمد طاقتك من الله يكن عملك كله عبادة ، ويرفع الله ضعفك ليمنحك قوته جل وعلا .

 

المحاور التي ينبغي أن يحتوي عليها جدولك للتغيير

لكي تكون فكرتك في التغيير متكاملة ، فينبغي أن تحتوي على كل أبعاد شخصيتك (الروحية ، والعقلية ، والانفعالية ، والسلوكية) .
وكل مستوى من هذه المستويات له قوة خاصة به ، وإذا كان جدولك محتوياً عليها جميعاً فستتضافر كل قوى الشخصية لتحقيق الهدف .

المحور الروحي:

ومدارُهُ على تقوية الشعور بالافتقار إلى الله تعالى ، والسعي إلى القرب منه ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، ومعرفة عجز العبد إزاء قدرته .

المحور العقلي :

ومدارُهُ على اكتساب المنهج العلمي في التفكير ، والتخلص من الأفكار الخاطئة السلبية واكتساب الأفكار الصحيحة الإيجابية .

المحور الانفعالي :

ومدارُهُ على ضبط النفس عند : الغضب ، والحزن ، والفرح ، والخوف . وهذه الصفات أساس الاضطرابات النفسية بصورة عامة (كما يرى بيك في علاجة المعرفي الانفعالي) .

المحور الجسمي :

ومدارُهُ على التوازن في الغذاء للحصول على جسمٍ يقوى على القيام بالواجبات ، ويتلذذ بمتع الحياة ، دون إفراط ولا تفريط . فاغتنم رمضان في تغيير عاداتك الغذائية والبداية ببرنامج يوازن تناولك للطعام مع حاجتك إليه.

المحور العملي :

ومدارُهُ على : القيام بالواجبات المنوطة بك في وظيفتك ، والسعي إلى الارتقاء فيها ، والبحث عن العمل الأكثر ملاءمة لطاقاتك وقدراتك .

كيف تحافظ على ما أحرزته من تغيير ؟

ستعجب إذا قلت لك : لكي تحافظ على التغيير الذي أحدثته .. فلابد أن تستمر في مزيد من التغيير .
المسلم المهتدي يسأله الله تعالى في كل ركعة من صلاته أن يهتدي " اهدنا الصراط المستقيم " ، وهذا يعني أن : تثبيت الهداية .. بمزيد من الهداية .
وكل مستوى تصل إليه بتوفيق الله تعالى ، فالحفاظ عليه بالارتقاء إلى مستوى أعلى منه .. وقد قال جل وعلا " لتركبن طبقاً عن طبق " .
وتذكر قول عمر بن العزيز رضي الله عنه لوزيره رجاء بن حيوة : إن لي نفساً تواقة ، تاقت إلى فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها ، وتاقت إلى الإمارة فوليتها (وكان والياً على المدينة) وتاقت إلى الخلافة فوليتها ، والآن تتوق إلى الجنة " .

ثم : استخدم ما وصلت إليه في طاعة الله ، فإن شكر النعمة أن لا تعصي الله تعالى بها . وقد قال جل وعلا " لئن شكرتم لأزيدنكم ، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " .

 

 

 

 

د. محمد محمد فريد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.