الأم المطلقة وأعباء التربية

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الجمعة, يونيو 12, 2015 - 12:32

عندما دخلت إلى القاعة كانت تكيل له الشتائم وتدعو عليه بأقسى الكلمات ، وفي المقابل كان الطفل يلهو ويلعب في لامبالاة ، بل ويزداد شراسة في مواجهة سباب ودعوات أمه.
حينما رأيته على هذه الحال ناديته لأتعرف عليه وعلى اسمه ، وأخذت أشجعه بكلمات طيبة ، "أنت طفل جميل وهادئ وستكون شاباً رائعاً عن قريب"
وبعد فترة وجدت الولد يترك الجمع ويجلس جواري ، ويأخذ ورقة ويرسم بها بعض الشخبطة ، بل ويطلب من أخوته الصغار الالتزام على نحو فاجئ الأم وأدهشها.
كان هذا المشهد هو جزء من موقف طويل تعرضت له وأنا أجلس إلى مجموعة من الأمهات لأتعرف مشكلاتهن مع أبنائهن ، وقد صادفت هذا النموذج وتألمت له كثيراً ..
فقد كانت هذه الأم هي امرأة مطلقة تحمل مرارة تجربة قاسية ، وتعيش وحدها وتتحمل أعباء ثلاثة من الأبناء ولد وابنتين تعانينان من الصرع
وكانت هذه القسوة المفرطة مع الأبناء هي نتاج هذا العجز الذي تشعره الأم ، والألم الذي تتحمله وحدها في مقابل ترك زوجها لها وتخليه عنها ، وكانت مرارة هذه التجربة تنعكس بالسلب على مشاعرها تجاه الأولاد..

المرأة المطلقة وعبء التربية:
لاشك أن تجربة الطلاق لها أثرها السلبي على الأسرة ككل: الأم والأب والأبناء ، وهي تتفاوت بحسب الظروف التي يحدث فيها الطلاق وما يتم ترتيبه أو تهيئته لاتخاذ هذه الخطوة من الطرفين..
ولكن في أغلب الأحوال يكون لهذه التجربة نتائجها السلبية وأثرها البالغ خاصة على الأم والأبناء:
-    فمن جهة فإن الأم تظل تحمل الشعور بمرارة الفشل مما ينعكس على تصرفاتها وعلاقتها بالأبناء وكل من يحيط بها
-    كما تزداد المشكلة إذا كان على الأم أن تتحمل عبء الإنفاق والرعاية والتربية بالنسبة للأولاد دون أن يكون لها مُعين في ذلك.
-    كما أن وجود الأبناء يظل يذكرها بهذه التجربة الفاشلة بكل ما فيها من ذكريات قاسية تحملها داخلها ..
-    كما قد يزيد من قسوتها تجاه الأبناء محاولتها أن تبدو أماً ناجحة ومسيطرة خاصة أمام الآخرين بعد أن فشلت في تجربتها كزوجة..
-       وفي بعض الحالات تتخلى الأم عن الأبناء وتحاول الدخول في تجربة زواج جديدة ، حتى ولو قدمت بعض التنازلات حتى لا تحمل وصمة الطلاق التي يحاسبها عليها المجتمع ، بما يحمله من أفكار قديمة تحتاج للتعديل..

أما بالنسبة للأبناء:
-    فإن تجربة الطلاق لها قسوتها حيث تفقدهم الشعور بالأمان حين يغيب أحد الوالدين أو كلاهما على نحو مفاجئ.
-    كما قد تفقدهم الثقة في الوالدين خاصة إذا حدث الطلاق بعد العديد من المشكلات والصراعات التي يكون الطفل طرفاً فيها..
-    وتزداد المشكلة سوءً إذا تم الاستشهاد بالطفل ليدلو برأيه فيما مر عليه من صراعات ، أو حاول أحد الأطراف استقطابه وتشويه الآخر في عينه..
-    كما يشعر بمشكلة كبيرة إذا كان عليه أن يغادر منزل الأسرة الذي اعتاد عليه إلى منزل آخر لم يعتد عليه ، أو يكون ضيفاً ثقيلاً فيه..

إليك أيتها الأم لمطلقة:
أدرك مرارة ما تشعرينه وقسوة التجربة التي مررت بها ، وأتفهم ألمك إذا كان عليك أن تتحملي عبء نفقة وتربية أبنائك ، ولكن الطلاق قد وقع ، وعليك أن تتعاملي مع الأمر بهدوء وحكمة ولا تجعلي آثاره السلبية تتضخم وتدمر حياتك وحياة أبنائك..ارفعي شعار "الحياة لن تتوقف"
-    رتبي حياتك الجديدة بصورة جيدة وحاولي توفير أقصى درجات الراحة والهدوء لأولادك..
-    تذكري أن أبنائك لا ذنب لهم وأنهم يتطلعون ليجدوا صدراً حانياً وحضناً دافئاً يلوذون إليه بعد الصدمة التي تعرضوا لها بغياب الأب..
-    لا تستسلمي لمشاعر الألم والحزن ولا تجعلي أبنائك مصباً لهذا الغضب والألم ، وفرقي بين التربية التي تعتمد على التوجيه والتهذيب وبين التنفيس عن الغضب الذي لا يسبب إلا ضياع الأبناء وكراهيتهم لكِ..
-    استخدمي التشجيع مع أبنائك ، حتى ولو على أبسط المواقف بدلاً من العقاب والتوبيخ واللوم على أتفه المواقف وستجدي نتيجة مبهرة..
-    احذري من تشويه صورة الأب أو هدمه فذلك يؤدي لفقدان الطفل الثقة في الوالدين بل وفي عالم الكبار ككل ، وحاولي إبعاد الطفل عن أي صراعات من أي نوع...
-    اطلبي العون من أهلك ممن تثقين فيهم ، وحاولي معهم الاتفاق على معاملة الأبناء بطريقة واحدة حتى لا يشعروا بالتشتت والضياع..
-    حاولي التواصل مع والد أبنائك وذكريه بمسؤوليته تجاه أبنائه ، حتى يشاركك المسؤولية ، وحتى لا يؤثر غيابه على الأبناء..
-    لا تنسي الاستعانة بالله في كل خطوة من خطوات حياتك ، وتفائلي بالخير تجديه.

 

 

أ. شروق محمد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.