تنمية المهارات اللغوية لطفل ماقبل المدرسة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 08:11

لاشك أن نمو قدرات النطق الكلامية واللغوية لدى الأطفال، موضوع يهم الوالدين ، كما يهم الباحثين فى مجال الطفولة. ويُحاول الباحثون معرفة أسباب ظهور مشاكل في المهارات اللغوية لدى الأطفال من النواحي العضوية ومن النواحي النفسية، سواء تلك المشاكل المرتبطة بالحالة الصحية للطفل نفسه أو المرتبطة بالتأثيرات البيئية من حوله عليه.
ومما لاحظه الأطباء أن تلقي الطفل للرضاعة الطبيعية مرتبط بنمو قدر جيد من القدرات اللغوية لدى الطفل مقارنة بمن تلقوا رضاعة صناعية، كما يُقال. لكن الباحثين حينما حللوا الأمر وجدوا أن السبب ليس متعلقاً بمجرد اختلاف أنواع الرضاعة، بل له علاقة مباشرة بنوعية الرعاية التي يُقدمها الوالدان لطفلهما.

فالأم التي تُرضع وليدها هي بالأصل لديها حصيلة ومهارة لغوية أكبر، وتهيأ لطفلها فرصة أفضل لتنشئة تتميز بنفس المستوى الجيد من المهارات اللغوية.
وفوائد وتأثيرات الرضاعة الطبيعية على القدرات العقلية للأطفال ربما لا تظهر إلا حينما
تصاحبها تصرفات إيجابية من الوالدين.
وارتفاع مستوى ذكاء الأطفال الذين حصلوا على الرضاعة الطبيعية قد يرجع نوعية مستوى ممارسة الأبوة والأمومة من قبل الوالدين. فالأمهات اللائي يحرصن على إرضاع مواليدهن هن عادة متعلمات بشكل أفضل. وبالتالي فإنهن من الأقرب أن يُمارسن أنشطة
تعليمية أفضل مع أطفالهن كالقراءة المبكرة أو حكاية القصص بلغة جميلة وواضحة.

وقد لاحظ الباحثون أن من تلقوا رضاعة طبيعية من الأطفال، حتى ولو لمدة
شهر واحد فقط، كانت درجات تقويم حصيلتهم اللغوية أعلى ممن تلقوا رضاعة
صناعية بالقارورة. لكن حينما دمج الباحثون نتائج الأطفال مع نتائج الأمهات من ناحية درجات تقويم الحصيلة اللغوية، فإن الفرق تلاشى. ما يعني تلقائياً أن
السبب في علو الحصيلة اللغوية لدى الأطفال الذين تلقوا رضاعة طبيعية كان
بسبب علو الحصيلة اللغوية لأمهاتهم.
كما أن استخدام الأب لأنواع مختلفة من الكلمات حين حديثه مع أطفاله سبب
مهم في تحسين حصيلتهم اللغوية ومهاراتهم في استخدامها.
وحينما تابع الباحثون ملاحظة مدى التفاعل بين الأطفال في سن الثانية من العمر
مع والديهم، وجدوا بأنه كلما ارتفعت وتنوعت نوعية الكلمات التى يتحدث بها الأب كلما ارتفعت نوعية لغة حديث الطفل حينما يبلغ الثالثة من العمر.

وقد توصل الباحثون الى ثلاثة عوامل تلعب دوراً مهماً في مدى تطور لغة الطفل. الأول:تنوع الكلمات التي يستخدمها الأب في حديثه، والثاني : مستوى تعليم الأم، والثالث: نوعية خدمة الرعاية التي يتلقاها الطفل في الحضانة أو فى دور الرعاية النهارية
وهذه الدراسات وغيرها تؤكد على أن الأمور في جانب مهارات الطفل اللغوية، لا تجري كيفما اتفق أو أنها متروكة للمصادفات. لكن هناك ضرورة لبذل المزيد من الجهد من قبل الأم والأب في حديثهما مع الأطفال. والأهم أن على الأم والأب مراعاة
الاهتمام بطريقة حديثهما أمام الأطفال، ونوعية الكلمات التي يستخدمونها أثناء الحديث معهم أو أمامهم. ومن المؤكد من النواحى التربوية أن مستوى ونوعية الاحديث مع الأطفال تلعب دورا غاية فى الأهمية بشكل عام حتى عند سرد القصص أو الحديث أثناء اللعب والتواصل الكلامي معهم أثناء ذلك. والطفل حتى في مراحل
العمر الأولى قابل للتلقي والحفظ والاستيعاب، وقادر بشكل أفضل
من ترديد الكلمات. وهو في تلك المرحلة من العمر لا يُميز الفرق بين العامي أو الفصيح،
أو بين عالي الأدب أو السوقي من الكلام. والباحثون من نتائج دراساتهم يُذكرون بأن
النوعية التي نتكلم بها هي ما سيكتسبه الأطفال وسيرددونه في حديثهم.
فاللغة من الاستجابات المتعلمة ، ولهذا يمكننا الاستفادة الجيدة من قوانين التعلم فى تفسير الفروق بين الأطفال فى الكفاءة اللغوية . فكلما ازدادت قوة الدافع الى استخدام اللغة ، وكلما ازداد مفعول الإثابات التى يؤدى اليها الكلام ، ازداد حظ السلوك اللغوى من التطور والنماء . وتشير العديد من الدراسات الى أن الأطفال الذين ينتمون الى أسر تشجع على اللغة وتثيب عليها ، يكونون بالفعل أكثر تفوقًا من حيث المهارات اللغوية الكفئة . التى تشمل أصوات الكلام ، ووضوح المعنى ومستوى التنظيم والترتيب اللغوى .
وثمة علاقة قوية بين اهتمام الأم بتطور النمو اللغوى عند طفلها خلال السنوات الثلاثة الأولى من الحياة ونسبة ذكاء الطفل فى سن الثالثة من ناحية أخرى . ولما كانت الأم تقضى عادة جانبًا أكبر من الوقت مع الطفل خلال سنوات ماقبل المدرسة ، فإنها تمارس تأثيرًا أكبر من تأثير الأب على النمو العقلى المبكر للطفل .
ويرتبط اكتساب اللغة بعامل مهم للغاية ألا وهو مدى توصل لغة الأطفال إلى أهداف مثيبة أو مشبعة لهم . فالبعض من الوالدين يصر على أن يبدأ طفل الثالثة فى استخدام الاسم حين يطلب شيئًا من الحلوى بدلاً من أن يكتفى بالإشارة الى علبة الحلوى ويقول "هه ، هه" . ومن الواضح أن هذا الأسلوب من التنشئة ، الذى يجعل الوصول الى الأهداف المرغوبة متوقفًا على استخدام اللغة ، مثال جيد يبين كيف أن سلوك الوالدين يؤثر فى تعلم اللغة . فبعض الأمهات كأم مهند تستبق أو تتوقع حاجة مهند باستمرار ، ولا تنتظر أو تصبر حتى يطلب هو ما يريد . لذلك كانت حاجته للاستخدام اللغوى ضعيفة ، وبالتالى اكتسابه للمهارات اللغوية كان متواضعًا .

دور الأسرة والأم بصفة خاصة في تنمية المهارات اللغوية لدى أطفالها عن طريق عدة أمور تتمثل فى الآتى :

1- إتاحة الفرص للأطفال للتعبير عن رغباتهم وميولهم وتشجيعهم على ذلك وحفزهم على التحدث عن الخبرات اليومية التي مروا بها، ثم إثراء خبراتهم من خلال توفير الفرص لمقابلة أشخاص جدد، وإعطائهم فرص التعرف إلى أماكن وأدوات وألعاب لم يألفوها من قبل، وتعريضهم لمواقف متنوعة على أن يتبع هذا مناقشاتهم في هذه الخبرات والمواقف الجديدة والتعليق عليها بقصد تثبيتها وتعميقها.

2- إتاحة الفرصة للأطفال للاستماع إلى ما تقدمه الإذاعة المرئية والمسموعة من برامج تبث للأطفال بقصد تنمية ميولهم وتوسيع مداركهم وحفزهم على التطلع إلى مزيد من القراءة والاطلاع.

3- توفير البيئة في المنزل لتوثيق العلاقة بين الطفل والممارسة اللغوية ، وهذا الإجراء يمكن أن يبدأ في الأسرة في وقت مبكر من حياة الطفل عن طريق قراءة الوالدين لطفلهم القصص القصيرة المسلية والمشوقة، أو عن طريق إهداء الأطفال بعض القصص المصورة والأشكال التي تعبر عن تساؤلاتهم واستفساراتهم الكثيرة، بغية الحصول على الحقائق والمعلومات التي يريدونها مما ينجم عنه إدخال السرور إلى أنفسهم، وبالتالي إقبالهم على استعمال الكلمات باعتبارها جزءا ممتعا يحصل من خلاله الطفل على ما يرغب .

4- توفير بيئة لغوية وثقافية في الأسرة مما يساعد على إثراء خبرات الطفل وتنمية مهاراته اللغوية، وذلك عن طريق سلوك الوالدين في هذا المجال بأن يشيعوا في الأسرة جو الحوار والمناقشات الهادئة والهادفة ، ويأتي ذلك من خلال كون الوالدين قدوة ونموذجا للأطفال .

يتعرض استخدام الطفل للغة فى وصف عالمه وتصنيفه لنوعين من التغيرات خلال سنوات ماقبل المدرسة . من الناحية الأولى ، نجد أن الكلمات قد بدأت تدل على أشياء ووقائع محددة بدرجة أكبر وأكبر . ذلك أن الطفل فى الثالثة من عمره قد يستخدم كلمة "كلب" لترمز الى كل حيوان ذى أربعة أقدام ، أو كلمة سيارة لترمز لكل عربة لها عجلات . فالكلمة وشبه الجملة تستخدم لترمز الى مزيج من عدة أفكار ، فالطفل قد يستخدم كلمة "أكل" لشير الى الطعام ، أو الى عملية تناول الطعام أو الى تغذية الأم للطفل . وبازدياد النضج يصبح استخدام الكلمات استخدامًا متمايزًا حتى أن الكلمة أو شبه الجملة لا تشير الا الى شىء أو واقعة محددة معينة . وفى سن الخامسة نجد أن كلمات مثل : كلب ، سيارة ، أكل ، أصبحت تستخدم بنفس التحديد الذى تتميز به لغة الكبار.
وفى كل لغة كلمات ترمز الى أشياء مادية محددة ( مثل كلب وقطة وموزة ولبن وسيارة وشاحنة ) وكلمات أخرى تشير الى أصناف من الأشياء التى تشترك فيما بينها فى بعض النواحى أو الخصائص ( مثل حيوانات وطعام وعربات ) . وتلك النوعية الأخيرة من الكلمات تتميز بدرجة تجريد أعلى من كلمات النوع الأول .
و ازدياد الدقة فى استخدام الكلمات المجردة هو النوع الثانى من التغيرات التى تطرأ خلال هذه الفترة .
وثمة تطوران لغويان يحدثان فى وقت واحد أولهما أن الطفل يتعلم استخدام كلمات محددة لأشياء محددة . فهو يقصر استخدام كلمة " كلب " على الأشياء المناسبة ، ولا يعممها على كل الحيوانات . وثانيهما أنه يتعلم الكلمات المجردة التى تمثل خاصية عامة تشترك فيها مجموعة من الأشياء المختلفة .

فنمو نظام اللغة يتضمن تعلم الأمور التالية :
1- الحالات أو الأشياء المحددة التى ينطبق عليها استخدام الكلمة .
2- الجنس العام ( الأكثر تجريدًا ) الذى تنتمى اليه الكلمة .
3- الخصائص النحوية للكلمة ( المكان الذى تنتمى اليه فى الكلام المكتوب أو االمنطوق .
4- الخصائص الوصفية للأشياء أو الوقائع .
ومن الأمور التى يجب وضعها فى الاعتبار أن كل هذه الجوانب من اللغة تكتسب خلال سنوات ماقبل المدرسة بمعدل سريع للغاية ، وتلعب فيها الأم وكذلك الأب أدوار محورية فى تنمية الامهارات اللغوية لدى الطفل .

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.