بزوغ القلق لدى الطفل

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الثلاثاء, يونيو 16, 2015 - 11:09

تتعدد النظريات والاتجاهات التي تفسر القلق بشكل عام أو مفصل دقيق ،القلق المرضي منه او القلق السوي . فالقلق قد يبدأ بسيطا ثم يمتد وينتشر حتى يغطي كل مساحة التفكير ويشل الانسان في تعامله خصوصا اذا كان حادا قويا مباغتاً.والقلق عند الاطفال ماهو إلا تعبير عن شعورهم بفقدان الشخص الذي يحبونه ولهذا يخاف الاطفال من كل شخص غريب وهم يخافون من الظلام لأنهم لا يستطيعون ان يروا في الظلام الشخص الذي يحبونه،ويقل خوفهم اذا استطاعوا مسك يد هذا الشخص في الظلام فيتبدد الخوف لحظة الإمساك بيد الشخص ، او الالتصاق به او ان يكون قريبا جدا حتى يشعر بالامان معه ، وقد تخف حدة قلق الطفل لو تحدث الشخص المعروف له من بعيد حتى دون أن يراه ، هذا الخوف ينشا لدى الاطفال بسبب الصور المثيرة التي يعبأ بها الاهل اذهان هؤلاء الاطفال .
إلا أن للقلق اهمية كبرى بوصفه عاملا من العوامل المحددة لسلوك الانسان وذلك بسبب انه قد يؤدى الى الوان من السلوك التى تتعارض مع اشباع الدوافع الاخرى. مثال ذلك ان الطفل قد يرغب فى القفز من فوف العارض الخشبى والغطس فى الماء ليكون شأنه فى ذلك شأن سائر الاطفال ولكنه يشعر بالخوف. كما ان الطفل قد يشعر بالرغبة فى ان يبين لوالديه غضبه من انهما يطالبانه بأشياء "غير معقولة" ولكنه يخشى منهم اللوم والتقريع. كذلك قد تصبح الحياه اكثر يسرا وسهولة لو ان الطفل استطاع ان يصارح نفسه بما يشعر به احيانا تجاه أمه وأبيه او أخيه, ولكن مجرد التفكير فى أمثال هذه الأمور يحدث عنده قدرا زائدًا عن الحد من القلق. ولذلك فإنه يتعلم تجنب هذه الأفعال والأفكار لأن فى تجنبها نوعا ما من الإثابة حيث تخفض حدة القلق الذى تثيره هذه الافكار او التصرفات.
فكيف يبدأ القلق ؟ وما الذى يحدث هذا الشعور الحاد بعدم الارتياح وضربات القلب العنيفة والنبض السريع والشعور بأن المعدة قد غاصت الى أسفل البطن والارتعاش والتفزز المبالغ فيه وجفاف الحلق والفم وغير ذلك من دلائل القلق؟ الواقع ان العناصر الفسيولوجية من القلق ليست متعلمة, وذلك كما توضح الامثلة السابقة, وانما هى جزء من الاساس التكوينى للطفل. اما الذى يتعلمه الطفل فانه الارتباط بين شخص ما او شئ ما او موقف ما من جهة وبين المشاعر والصور والاستجابات الفسيولوجية التى يتألف منها القلق من جهة اخرى. اعنى ان استثارة القلق هو الامر الذى يتم تعلمه. من ذلك ان طفل الثانية من العمر قد يتعلم الخوف من الكلاب الكبار لان أمه ترتاع وتفزع حين ترى واحدا منها. ثم اذا تم تعلم الارتباط بين منظر الكلب والقلق, جعل الطفل يتجنب الكلاب. وهكذا يمكن تعلم الدافع الى تجنب الكلاب الكبار.
ويقال عن الخوف ان من الممكن تعلمه بسبب اننا نستطيع ان نتعلمه كإستجابة لعلامات كانت فى الاصل محايدة . كما يقال عنه انه دافع بسبب انه يدفع المرء فى بعض الاحيان الى تعلم الاستجابات الجديدة والقيام بها شأن الخوف فى ذلك شأن الجوع والعطش وبعض الدوافع الاخرى.
اضف الى ذلك ان القلق استجابة متعلمة لهذا فانه يخضع لمبادئ التعلم عينها, من قبيل الانطفاء والتعميم, التى تنطبق على سائر السلوك. مثل ذلك ان الطفل اذا تعلم فى بادئ أمره ان يخشى كلبا معينا,فانه قد يقوم بعد ذلك بتعميم هذه الاستجابة حتى تشمل كل الاشياء التى يطلق عليها لفظ "كلب" او "حيوان" بل لقد تشمل القطط والخيول والابقار والاغنام والدجاج.

الألم بوصفه عاملا محددا للقلق:
لو اردنا ان يتم التعلم_ وقد اشرنا الى ذلك من قبل_ اى لو اردنا ان تتكون رابطة جديدة بين امارة ما وبين استجابة من الاستجابات, لكان علينا ان نبجث عن وسيلة ما نستثير بها الاستجابة أولا. وقد رأى بعض المشتغلين بعلم النفس ان هناك صنفا من المثيرات يؤدى بفطرته الى الخوف او القلق وأن هذا الصنف هو الالم ولعله من السهل علينا فى امثال هذه الحالات ان نرى كيف يبدأ القلق حتى فى مرحلة الرضاعة. ذلك ان الرضع يخبرون الألم ما فى ذلك شك ومهما بلغ من حرص الأمهات على رعاية الرضيع والاعتناء به. من ذلك ان الرضيع قد يخزه دبوس, او قد يقاسى من المغص, او قد يستبد به الجوع الشديد.
وتؤكد الملاحظات المستمدة من الابحاث التجربية أن آلام الجوع تصل الى درجات عالية عند الرضيع قد لا تصل إليها عند الكبار وكلما مضى الرضيع فى تعلم الرابطة بين مشاعر الجوع الخفيف المبكرة وما يتلوها من مشاعر الجوع الشديد القاسية, فانه سرعان ما يتعلم استباق المشاعر الاليمة خلال المراحل المبكرة من الجوع. ونحن نفترض ان عملية استباق الألم هذه تؤدى الى القلق. أى أننا حين نتيح للرضيع ان يخبر شدة الجوع من قبل ان نقوم بتغذيته, نقوم فى الواقع بإرساء الدعائم التى تقوم عليها مشاعر القلق المرتبطة بخبرات الجوع. كذلك نجد ان الام التى تخز رضيعها بالدبوس عن إهمال حين تقوم بتنظيفه, تهيئ فى الواقع الظروف التى تتيح له ان يستبق الألم, وبالتالى القلق حين يواجه من بعد ذلك موقف الام وهى تتهيأ لتنظيفه.
العوامل الاخرى المحددة للقلق:
من المحتمل ان تكون هناك مثيرات اخرى بخلاف الالم من شأنها ان تؤدى الى القلق بصفة فطرية, ولو ان ما لدينا من العلم عن طبيعة هذه المثيرات شئ قليل جدا. وقد جنح بعض المشتعين بعلم النفس الى ان الزيادة المفاجئة او التغير المفاجئ يؤدى الى القلق.
من ذلك ان هب أن Hebb يؤمن بأن القلق (او الخوف) يستثار حين يتألف النمط المثير (stimulus pattern) من عناصر بعضها مألوف وبعضها الاخر غير مألوف. فقد تبين له مثلا ان قردة الشمبانزى تظهر عليها استجابات الخوف اذا هى ووجهت بتمثال من الجبس يمثل رأس الشمبانزى. اما الرأس فانها عنصر مثير مألوف, على حين ان انعدام الجسم المرتبط بالرأس يجعل من هذا المثير أمرا مفارقا بحيث نجد الحيوان يسلك وكأنه خائف. ونقول انه لو كان الفرض الذى يذهب اليه "هب" صحيحا, لترتب عليه ان يؤدى المثير الجديد تماما الى قدر من الخوف اقل مما يؤدى اليه المثير الذى يحتوى على عناصر مألوفة بين سياق غير مألوف. اعنى ان الاطفال حين يتقدم بهم النضج يتعلمون قواعد معينة عن هذا العالم الذى نعيش فيه. اى انه تتكون لديهم صور معينة او توقعات محددة عن بيئتهم. فهم يتوقعون ان يكون لكل حيوان اربعة اقدام, وان تكون للطيور اجنحة, وان يكون لكل رجل ذراعان وعينان, وان الثلج يكون ابيضا, وهكذا. ثم انه اذا تعرضت توقعات الطفل عما سيرى او يسمع او يشم او يحس به لشئ من الاضطراب او عدم التأييد (اى اذا لم تتحقق توقعاته) صار من المحتمل ان يداخله الشعور بالقلق.
مثال ذلك, ان الام اذا اقتربت من طفلها الذى يبلغ الثمانية شهور من العمر وهى تحمل وهى تحمل بيدها الى طفلها افعى ... بدلا من الزجاجة, كان من المحتمل ان ينخرط الطفل فى البكاء. واستجابة القلق هذه لا تعود عندئذ على الارجح الى ان الطفل يتوقع الاذى او يستبقه من جانب الافعى, وانما تعود الى وجود مثير غير متوقع فى موضع مثير مألوف, اى الى المفاجأة النفسية. ولا بد لنا من ان نشير هنا الى ان مثل هذا النوع من القلق لا يحتمل وقوعه الا بعد ان يكون الكائن الحى قد ابتنى لنفسه بعض التوقعات عن البيئة. أضف الى ذلك النوع من القلق لا سبيل الى حدوثه خلال الايام الاولى من الحياة.
واخيرا يرى بعض علماء النفس ان هناك طائفة معينة من المثيرات ليست متصلة لا بالالم ولا بالمفاجأة ومع ذلك فان فى مقدورها ان تثير القلق, اعنى ان هناك نوعا من الارتباط الفطرى غير المتعلم بين استجابة القلق وبين بعض المثيرات.
هناك اربعة انواع على الاقل من المواقف المثيرة يبدو كأن فى ميسورها اثارة الخوف واستجابات التجنب على اساس فطرى. الالم, والتغير المفاجئ فى الاستثارة, والمثيرات غير المتوقعة, وبعض المثيرات الخاصة. فأما الطائفة الاخيرة من المثيرات فانه لم يستدل بعد على وجودها عند الانسان, واما الطائفة الثالثة (وهى المثيرات غير المتوقعة) فانها تحتاج الى قدر من تعلم المدركات الحسية من قبل ان يتيسر لها استثارة الخوف. ومع ذلك يبدوا من الواضح _ بغض النظر عن المثيرات الاصلية التى قد تؤدى الى القلق_ ان المصادر الرئيسية للقلق عند الكبار _ بل واكثرها قدرة على اصابة الفرد بالعجز عن التوافق مع بيئته_ مصادر متعلمة مكتسبة. وفيما يلى من هذا الفصل نناقش بعض هذه الانواع المتعلمة او المكتسبة من القلق.
مثال للقلق المكتسب:
فلنفترض ان رضيعا احس اخوه الاكبر بالغيرة منه (وهو احساس مفهوم) وانه نفس عى اخيه ما يجد من الانتباه وهو دخيل على دائرة الاسرة لا يزال فى غاية الضالة . وان هذا الاخ الاكبر جعل يتقدم نحو المهد الذى يلعب فيه الرضيع ثم اخمد فى جسمه دبوسا. نقول عندئذ انه لو كانت عملية الادراك البصرى عند الرضيع على درجة كافية من النضج, لترتب على ذلك ان تكون المثيرات البصرية (او الامارات البصرية) الصادرة عن اخيه مختلفة متميزة عن تلك المثيرات البصرية الصادرة عن امه او ابيه او سائر اقربائه. ولو ان هذا كان صحيحا, لبات من المحتمل ان يؤدى ظهور وجه اخيه الاكبر فيما بعد الى جوار المهد الى استباق الالم وبالتالى الى الشعور بالقلق.
ومن الممكن تحليل نموذج التعلم (learning paradigm) فى هذه الحالة كما يلى. تمت المزاوجة بين مثير (هو الالم) يؤدى بفطرته الى استجابة الخوف وبين مثير محايد (وهو وجه الاخ الاكبر) . نتيجة لهذه المزاوجة اصبح فى مقدور وجه الاخ الاكبر وحده ان يحدث القلق فى المستقبل.
والدليل التجريبى على هذا النوع من التعلم يستمد من عدد من التجارب الكلاسيكية التى اجريت على العملية الشرطية. من قبيل تلك التجربة التى اجراها واطسون ورينر فى هذه التجربة اخذ المجريان يحدثان صوتا عاليا (بضلاب بعض قضبان الصلب بعضها فى بعض) كلما حاول الرضيع مد يده الى فأر ابيض لم يكن يخشاه فى بادئ الامر. وبعد ان تكررت هذه الخبرة عدة مرات, اصبح الرضيع تبدو عليه امارات الخوف كلما تعرض لرؤية الفأر فقط.
على ان من بين علماء النفس من يرى ان تعلم استجابة الخوف لا ينطوى بالضرورة على اثابة متميزة. لكنه مع ذلك من الواضح ان القلق, بوصفه استجابة, يخضع لما يخضع له سائر انواع الاستجابات والسلوك من انطفاء وتمييز وتعميم, بل وبنفس الطريقة.
بعض المصادر الرئيسية للقلق:
احتمال الشعور بالقلق متضمن فى التكوين الفيزيولوجى للفرد. لكن انواع المواقف التى يرتبط بها القلق تتحدد بحسب خبرات التعلم التى يمر بها الفرد.ولهذا كان من المهم ان نلتفت الى مواقف التعلم المختلفة هذه بسبب ان استخدام مصطلح القلق وحده لا يفيدنا شيئا فى فهم السلوك والتنبؤ به, وانما العبرة بنوع المواقف التى ترتبط بها القلق.
والقلق فى اساسه استجابة داخلية استباقية_ اى استباق لواقعة كريهة. كما ان الامارات التى يكون فى ميسورها اثارة القلق هى الامارات التى تكون قد ارتبطت فى المناسبات السابقة بواقعة او حادثة أدت الى الشعور بالخوف. بحيث ان عودة وقوع هذه الحادثة_ وكثيرا ما يكون هذا فى مجال التفكير_ يؤدى الى استباق لهذا الشعور الكريه وللقلق. اى ان استجابة القلق تثار حين يستبق الطفل او يتوقع حدوث واقعة كريهة فى المستقبل , كأن يصيبه الاذى فى بدنه او ان يهجر او يعاقب او ينبذ اجتماعيا.
والقائمة التالية من مصادر القلق الهامة قائمة لم نقصد بها الى ان تشمل كل المصادر وانما اغلبها, شأنها فى ذلك شأن قائمة الدوافع التى اوردناها فيما سبق.
القلق من احتمال التعرض لاذى جسمى:
وهذا النوع من القلق ينشأ عن قيام الطفل بالربط بين بعض المثيرات واحتمال وقوع الالم او احتمال تعرض جسمه للخطر المادى (من قبيل الاماكن المرتفعة او الحيوانات الخطرة او الحريق او المياه العميقة) وهنا نجد ان الطفل قد سبق له ان خبر الجوانب المؤلمة من هذه الوقائع او انه قد سبق ان حدثه غيره بأن هذه المواقف تؤدى الى الالم والاذى الجسمانى.
القلق من فقدان الحب:
وينشأ حين يستبق الطفل او يتوقع ان مصدرا للحب او الحنان او التقبل (مثل حب الام او صداقة القرين) سوف يضيع عليه او يسحب منه. وتعلم هذا النوع من القلق قد يكون او لا يكون مرتكزا بصفة رئيسية على توقع حدوث الالم بعد فقدان هذا المصدر من مصادر الحب او المساندة. كما ان هذا المصدر من مصادر القلق عام شائع عند الاطفال, الا انه من غير الميسور الى الان فهم جوانبه بالتفصيل وعملية نموه.
الشعور بالالم:
وهو حالة خاصة من القلق لا تظهر عادة الا زهاء السنة الرابعة من العمر, يثيرها استباق الطفل (وتوقعه) لمخالفة قاعدة او كسر معيار من المعايير. كما انها قد تثور بعد مخالفة الطفل لمعيار او قاعدة تمثلها. كذلك يتضمن الشعور بالاثم عند الاطفال الذين هم اكبر سنا من ذلك بالشعور باتضاع الذات وانحطاطها وعدم جدارة الفرد.
القلق من العجز عن السيطرة على البيئة:
وهذا القلق يحدث حين يشعر الفرد بأنه غير قادر على تناول المشكلات والازمات التى تنطوى عليها البيئة. وهذا القلق قريب الصلة بما يسمى فى الاصطلاح الشائع "بمشاعر النقص" ولكنه غير مساو لها.
الانحراف عن التوقعات الاجتماعية:
القلق عن تصور الذات على انها منحرفة مخالفة:
لكل مجتمع قائمة غير مكتوبة من الخصال الحميدة التى يتوقع من اعضائه التحلى بها. ومع ان هذه الخصال تتفاوت بتفاوت الذكور والاناث, وبتفاوت الطبقة الاجتماعيةوالاساس العنصرى للطفل الا انها تفيد الى حد كبير فى تحديد الصفات التى ينبغى للفرد ان يعمل على التحلى بها. كما انها فكرة المرء عن نفسه وتصوره لذاته متوقفان الى حد كبير على مبلغ التشابه بين خصاله وهذه السمات المطلوبة. بحيث ان الفرد اذا رأى البون شاسعا بين ما لديه بالفعل من مهارات وسمات وخصائص مزاجيه وما يشعر من ضرورة تحليه به من المهارات والسمات والخصائص المزاجية, ترتب على ذلك الشعور بالقلق. كما ان حدة القلق متوقفة على درجة الانحراف الذى يراه الفرد بين واقعه وبين المثل والمعايير التى يفرضها المجتمع من جهة وبين واقعه و المثل والمعايير التى اتخذها لنفسه من جهة اخرى. وهذا المصدر من مصادر القلق له اهميته بالنسبة لنمو الدور الجنسى للطفل وبالنسبة لنمو تقدير الطفل لذاته. وسوف نتناول هذه المفاهيم فى الفصول التالية من هذا الكتاب.
الحاجات المتعلمة بوصفها اساسا لاكتساب حاجات متعلمة اخرى:
عملية التعلم اشبه ببناء سريع الانتشار والتوسع. فانه ما ان يكتسب مثير محايد القدرة على اثارة القلق حتى يصبح هذا المثير اساسا لتعلم انواع اخرى من القلق. من ذلك ان الولد الصغير اذا تعلم ان يخشى والده, قد يتحول من بعد ذلك الى الخوف والانسحاب من الاشياء المرتبطة بوالده مثل اصدقائه ورفاقه. وهكذا نجد ان القلق المتعلم, مثل الخوف من الوالد, قد يصبح اساسا لا لمجرد تعلم استجابات فعالة, وانما لاكتساب مصادر جديدة من القلق كذلك.
ان رغبة الطفل فى حب امه له قد تنشأ فى بادئ الامر بسبب الدور الذى تقوم به الام فى اشباع حاجات الطفل الاولية من قبيل تقديم الغذاء الدافئ له وملاعبته وتنظيف ثيابه وابتعاد الاذى عنه ولفه بأغطية اكثر فى الليالى الباردة وهكذا. ولكن هذا الدافع (وهو رغبة الطفل فى حب امه له) ما ان ينمو ويتكون, حتى يصبح من بين الاسس التى ترتكز عليها عملية تعلم دوافع اخرى معقدة كثيرة. مثال ذلك ان الام اذا كانت لا تمنح حبها الا ان كان الطفل منظما مطيعا, وجدنا الطفل وقد نمت عنده الحاجة الى ان يكون منظما مطيعا لا فى وجود امه فقط بل وفى غيابها كذلك. بل انه قد يتعلم القيام بعدة افعال معقدة من قبيل جمع لعبة بعناية وحفظها فى المكان الخاص بعد الأنتهاء منها, والمحافظة على ثيابه, وغسيل يديه باستمرار, والامتلثل لما يطلب اليه القيام به. حتى يشبع الدوافع المرتكزة على حاجته لحب أمه له.
واخيرا نجد ان كثيرا من الدوافع عند المراهق الراشد مستمدة من مزيج من عدة دوافع اساسية اخرى. مثال ذلك ان الرغبة فى المال فى المجتمع الامريكى قد ترتكز على الحاجة الى التقدير الاجتماعى (الذى يكتسب عن طريق العرض البارز للممتلكات المادية) والحاجة الى الاقتدار (اذ ان المجتمع كثيرا ما يقدر كفاءة الرجل وجدواه بمقدار ما يكسب من المال) والحاجة ال السيطرة (اذ ان حيازة المال تتيح للفرد ان يتصرف فى غيره).
اما انواع الدوافع التى يتعلمها الاطفال, والاعمار التى يحتمل ان تظهر عندها هذه الدوافع, والظروف التى تؤدى الى ظهورها فسوف نتعرض لها بإذن الله فى مقالات قادمة.

 

 

 

د. صلاح الدين السرسي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.