الخرف

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 8, 2015 - 08:16

الخرف هو تدهور مستمر في وظائف الدماغ ينتج عنه اضطراب في القدرات الإدراكية مثل: الذاكرة والاهتداء والتفكير السليم والحكمة. لذلك يفقد كثير من الذين يعانون من الخرف قدرتهم على الاهتمام بأنفسهم ، ويصبحون بحاجة لرعاية تمريضية كاملة. ومن أكثر أسباب الخرف شيوعاً مرض ألزهايمر.

ما هي أشكال اضطراب الخرف؟

الخرف له شكلان أساسيان باعتبار أسبابه وهما:
1.تدهور مستمر ومتواصل في القدرات الإدراكية يحدث على مدى أشهر أو سنوات وهذا يحدث في حالات الزهايمر (Alzheimer Type) .
2.تدهور متدرج في القدرات الإدراكية يفقد فيه المريض شيئاً من قدراته بشكل ملحوظ ، ثم يستقر مدة من الزمن ثم يحدث تدهور ملحوظ وهكذا... وهذا الشكل يحدث في حالات الاحتشاء الدماغي المتعدد (Multi-infarct type) ، نتيجة تجلطات في الأوعية الدموية الدقيقة في الدماغ تحدث بين الحين والآخر يفقد معها في كل مرة قدراً من القدرات الإدراكية.

ما هي أعراض الخرف؟

يمكن تشخيص مرض ألزهايمر (Alzheimer Type) بناءاً على الأعراض التالية حسب معايير الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية الذي تصدره جمعية الطب النفسي الأمريكية ((DSM-4، والتي تتلخص فيما يلي:
أ. حدوث انحدار مستمر في القدرات الإدراكية يتمثل في كل مما يلي:
1. خلل في الذاكرة ( اضطراب القدرة على اكتساب معلومات جديدة ، أو استرجاع معلومات سبق اكتسابها).
2. واحدة (أو أكثر) من الاضطرابات الإدراكية التالية:
1-اضطراب في اللغة (الصمت ، أخطاء لفظية ، قصر العبارات)
2-اضطراب القدرات الحركية مع عدم وجود مشكلات صحية في الجهاز الحركي: مثل تفريش الأسنان أو مضغ الطعام أو التلويح باليد للوداع...الخ
3-اضطراب القدرة على معرفة الأشياء بأسمائها مع عدم وجود مشكلات حسية مثل الصمم أو العمى.
4-اضطراب الوظائف العقلية العليا كالتخطيط والتنظيم والترتيب والتفكير المجرد.
ب. يؤدي اضطراب القدرات الإدراكية المذكور في كل من (أ - 1) و أ - 2) إلى خلل واضح في الوظائف الاجتماعية أو المهنية ، ويمثل انحداراً بَيّناً مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه هذه الوظائف قبل ذلك.
ج. يتميز مسار الحالة بظهور تدريجي للأعراض وتدهور مستمر في القدرات الإدراكية.
د. يجب أن لا يكون سبب اضطراب القدرات الإدراكية المذكور في كل من (أ - 1) و أ - 2) أي مما يلي:
1.مرض آخر في الجهاز العصبي يسبب تدهور مستمر في الذاكرة والإدراك (مثل: مشكلات الأوعية الدموية ، داء باركنسون ، إصابات الدماغ ، الأورام...)
2.أمراض جسمية عامة يعرف أنها تسبب خرفاً (مثل: كسل الغدة الدرقية ، نقص فيتامين ب12 وحمض الفوليك ونقص الكالسيوم ، والأيدز...)
3.استخدام المخدرات الذي ينتج عنه تدهور القدرات الإدراكية مثل: الكحول...
هـ. لا يحدث هذا التدهور في القدرات الإدراكية أثناء حالات الهذيان فقط .
و. هذا التدهور في القدرات الإدراكية لا يمكن تفسيره من خلال حالات اضطراب نفسي آخر مثل: الاكتئاب النفسي ، أو الفصام.

أما الخرف الناتج عن الاحتشاء الدماغي المتعدد (Multi-infarct type) فيمكن تشخيصه بناءً على الأعراض التالية حسب معايير الدليل التشخيصي الإحصائي الرابع للاضطرابات النفسية الذي تصدره جمعية الطب النفسي الأمريكية ((DSM-4، والتي تتلخص فيما يلي:

أ. حدوث انحدار مستمر في القدرات الإدراكية يتمثل في كل مما يلي:
1. خلل في الذاكرة ( اضطراب القدرة على اكتساب معلومات جديدة ، أو استرجاع معلومات سابق اكتسابها).
2. واحدة (أو أكثر) من الاضطرابات الإدراكية التالية:
5-اضطراب في اللغة (الصمت ، أخطاء لفظية ، قصر العبارات)
6-اضطراب القدرات الحركية في عدم وجود مشكلات صحية في الجهاز الحركي: مثل تفريش الأسنان أو مضغ الطعام أو التلويح باليد للوداع...الخ
7-اضطراب القدرة على معرفة الأشياء بأسمائها في عدم وجود مشكلات حسية مثل الصمم أو العمى.
8-اضطراب الوظائف العقلية العليا كالتخطيط والتنظيم والترتيب والتفكير المجرد.
ب. يؤدي اضطراب القدرات الإدراكية المذكور في كل من (أ - 1) و أ - 2) إلى خلل واضح في الوظائف الاجتماعية أو المهنية ، ويمثل انحداراً بَيّناً مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه هذه الوظائف قبل ذلك.
ج. أعراض وعلامات عصبية محددة يعرفها الأطباء تدل على وجود تلف في أو خلل في مناطق محددة من الدماغ ، ويرى الطبيب أنها ذات علاقة بتدهور القدرات الإدراكية.
د. لا يحدث هذا التدهور في القدرات الإدراكية فقط أثناء حالات الهذيان.

ما هي أسباب الخرف؟

للخرف أسباب متعددة نوجزها فيما يأتي:
1.مرض ألزهايمر (Alzheimer Type): وقد ثبت علاقته بعاملين هما تقدم العمر (فكلما تقدم العمر - خاصة بعد 65 سنة- زادت احتمالات الإصابة) ، ووجود تاريخ أسري للمرض خاصة إذا كان قبل سن 65 سنة. وقد أوضحت البحوث الجينية أن نسبة الإصابة بهذا المرض عند أبناء المصابين به تكون أربعة أضعاف مقارنة بأقرانهم ممن لا يوجد لديهم تاريخ مرضي.
2.الاحتشاء الدماغي المتعدد (Multi-infarct type): ويحدث نتيجة تجلطات في الأوعية الدموية. ويصاحب ذلك عادة أمراض أخرى مثل تصلب الشرايين وداء السكري وارتفاع ضغط الدم. وغيرها...
3.نقص الفيتامينات وسوء التغذية: مثل نقص الفيتامينات خاصة ب12 ، ب3 ، ب9
4.أمراض عضوية أخرى: مثل كسل الغدة الدرقية ، إصابات الدماغ وأمراض الجهاز العصبي مثل مرض باركنسون ، مرض هنتيجتون ، ارتفاع الضغط داخل الجمجمة ، الأورام ، النزيف الدماغي...
5.استخدام المخدرات: مثل الكحول ، والحشيش ، والحبوب المنشطة التي تؤدي لحالة شبيه بالفصام.

كيف يحدث الخرف؟

يحدث الخرف بأشكال مختلفة حسب سببه. ولكن المحصلة النهائية بغض النظر عن السبب في كثير من الأحيان هو تلف في الخلايا الدماغية. وقد وجدت الدراسات المتواترة أن هناك نقصاً حاداً في السيالة العصبية المسماة: أستيالكولين (Acetylcholine - Ach) ، إضافة لظهور تغيرات في خلايا الدماغ تدل على تليّفها وتلفها.

ما مدى انتشار الخرف؟

تزداد احتمالات الإصابة بالخرف عموماً مع تقدم العمر ، خاصة بعد سن 65 عاماً. فنسبة حالات الخرف تقدر بحوالي 2% بين سن 65-96 عاماً ، وتزيد إلى 5% بين 75-79 عاماً ، ثم تصل إلى 20% بين سن 85-89 عاماً ، و50% بين من تتجاوز أعمارهم التسعين عاماً.
ويعد مرض ألزهايمر أكثر أشكال الخرف شيوعاً (50% من الحالات) ، ويحدث في النساء أكثر منه في الرجال بمقدار ثلاث مرات.
أما خرف الإحتشاء الدماغي المتعدد فيحدث أكثر في الرجال لأن الرجال أكثر إصابة بأسباب الاحتشاءات مثل تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم. وتختلف نسبة انتشار هذا النوع من الخرف من مجتمع لآخر نتيجة الأنماط الغذائية السائدة ، وذلك بعكس نوع أزهايمر الذي ينتشر بنسبة مستوية في عد من مجتمعات العالم.

هل هناك اضطرابات أخرى تشبه الخرف؟

نعم. هناك عدد من الأمراض العضوية والنفسية التي تشبه الخرف. وقد سبق الإشارة إلى بعض الأمراض العضوية عند الحديث عن الأسباب. أما الحالات الأخرى التي تشبه الخرف هي:
1.النسيان الطبيعي: وقد يحدث ذلك عند كثير من الناس بسبب تعقد نمط الحياة ، وتسارع وتيرة الأحداث ، والاعتماد على الوسائل المساندة للحفظ مثل المفكرات الالكترونية والهواتف الجوالة وخلافها... والنسيان الطبيعي لا يسبب خللاً في أداء الشخص لوظائفه المختلفة.
2.الاكتئاب النفسي: حيث تظهر مشكلات في التركيز والتذكر. ولكنها تكون لاحقة للإصابة بالاكتئاب ، وتابعة لوجوده ، ويتم تضخيم الشكوى من ضعف الذاكرة من قبل المريض الذي يستثقل التركيز والتذكر ، فيتجنب المحاولة. ذلك إضافة لوجود أعراض الاكتئاب النفسي المعروفة.
3.الفصام: حيث لا يبدو المريض مدركاً للزمان أو الأحداث من حوله بسبب حالته العقلية المزمنة وانقطاعه عن متابعة الحياة والأخبار وهيمنة الأعراض السلبية للفصام. ذلك إضافة لوجود أعراض الفصام الأخرى.
4.الهذيان: وهو تدهور حاد في القدرات الإدراكية يحدث نتيجة إصابة مباشرة للدماغ أو مرض عضوي حاد كالفشل الكبدي أو الكلوي أو تغير حاد في نسبة السكر أو الأملاح الأخرى في الدم.

كيف لي أن أعرف إن كنت مصاباً بالخرف؟

ليس من السهولة أن تشخص نفسك بنفسك في هذه الحالة ، وليس هناك اختبارات ذاتية يمكنك من خلالها قياس قدراتك الإدراكية ، أسوة بالاضطرابات النفسية الأخرى. لذلك ينبغي مراجعة الطبيب النفسي أو طبيب الأعصاب في حالة شعورك بضعف في الذاكرة.

كيف يمكن علاج الخرف؟

يختلف علاج الخرف بحسب أسبابه. هناك من حالات الخرف ما هو قابل للشفاء (15% من الحالات تقريباً) ، مثل الحالات الناتجة عن نقص الفيتامينات وسوء التغذية ، و كسل الغدة الدرقية وخلافه لأن هذه الأسباب يمكن علاجها ، ومن ثم يمكن ان تعود القدرات العقلية طبيعية تماماً مثلما كانت عليه.
أما العقاقير التي تستخدم في حالات الخرف فهي كما يلي:
1.عقاقير تزيد من مستويات الأستايلكولين (Acetylcholine) وهذه العقاقير يمكن ان تحسن من الذاكرة وتحد من سرعة تدهور القدرات العقلية ، وتسخدم تحديداً لعلاج حالات داء ألزهايمر. من أمثلة هذه العقاقير: Donepezil, Galatamine, Memantine, Rivastigmine, Tacrine.
2.عقاقير مساندة: وهذه تستخدم للتخفيف من الأعراض الخرى التي قد تصاحب الخرف مثل القلق (قد تستخدم مضادات القلق) ، الاكتئاب (قد تستخدم مضادات الاكتئاب) أو التهيج والأعراض الذهانية (قد تستخدم مضادات الذهان).
3.العلاج التمريضي ويهدف لمساعدة ذوي المريض للتعامل معه بالشكل الصحيح الذي يخدم المريض ولا يستنزف طاقة الراعين له.

ماذا يمكن أن يحدث لو لم يعالج الخرف؟

تعتبر حالات الخرف التي لا يمكن علاج أسبابها من الحالات المزمنة. وإذا لم تعالج فإن قدرات المريض العقلية تستمر في التدهور حتى يفقد قدرته على العناية بأبسط شئونه مثل الأكل والشرب والصلاة ... كما قد يفقد القدرة على التحكم في مخارجه ، وقد يخرج في أوقات غير مناسبة ويتعرض للأذى أو الضياع ، خاصة عندما تكون حالة المريض الجسمية تساعده على الحركة والمشي ، مما يستدعي المراقبة الدائمة وإغلاق الأبواب. هذه الحالات تحتاج لجهد كبير من ذويه قد يكون على حساب أعمالهم وجوانب حياتهم الأخرى.

هل يمكن الشفاء من الخرف؟

في الغالب أنه لا يمكن الشفاء من حالات الخرف التي لا يعرف له سبب يمكن علاجه. لذلك فإن مسار هذه الحالات يتسم بالتدهور البطيء أو السريع حتى الوفاة ، خلال فترة تتراوح بين 5-10 سنوات. لكن العقاقير التي تستخدم في علاج داء ألزهايمر قد تساهم في الحد من تسارع التدهور في القدرة العقلية او قد تؤدي إلى توقفه مدة قد تطول او تقصر بحسب عوامل شخصية وعلاجية مختلفة يقدرها الطبيب المعالج.

كيف يمكنني أن أساعد نفسي إذا كنت مصاباً بالخرف؟

أول ما ينبغي عمله إن شعرت أنك ربما تعاني من الخرف هو أن تراجع طبيباً نفسياص أو طبيب أعصاب. لن يكون من السهل عليك تشخيص حالتك وبالتالي لن يكون بمقدورك علاجها. قد يرى الطبيب القيام ببعض الفحوصات للتعرف على أسباب شكواك أو لاستبعاد الحالات الأخرى المشابهة للخرف. كما قد يحتاج الأمر لفحوصات أخرى متعلقة بمتابعة الدواء والمعالجة. لذلك كله فمن الأفضل مراجعة الطبيب فهو صاحب الاختصاص الذي سيوفر عليك غن شاء الله الكثير من القلق والعناء.

كيف يمكن أن أتعامل مع مريض الخرف؟

من المهم عند الحديث عن الخرف أن نتطرق إلى دقة التشخيص والتأكد من أنه ليس هناك ما يمكن علاجه. ولذلك فإن أول ما ينبغي عمله هو عرض المريض على الطبيب للتاكد من التشخيص وإعطاء العلاج المناسب للأسباب - إن وجدت - أو علاج الحالة مباشرة.
أما الأمر الآخر الذي ينبغي عمله فهو المتابعة مع الطبيب وعدم اهمال الأعراض الجسمية الأخرى لأن المريض بالخرف قد يتعرض لأمراض عضوية يصعب عليه التعبير عنها. فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مشكلة بسيطة مثل الألم أو الإمساك قد تكون سبباً في اضطراب الذاكرة والسلوك بشكل ملحوظ ، رغم أنه يمكن علاجها ببساطة.
ومن ناحية أخرى فإن استقرار حالة المريض يجعل من السهل على ذويه التعامل معه دون الشعور الإجهاد أو التقصير في جوانب حياتهم الأخرى.

فيما يلي بعض التوصيات العامة:

1.لا تستغرب من شعورك بالحزن والأسى تجاه والدك أو قريبك الذي يعاني من الخرف عندما تراه يعود كالطفل ، ويرد إلى أرذل العمر ولم يعد يعلم من بعد علم شيئاً ، وهو الذي كان يهتم بك ويرعاك يوماً ما. إن شعرت ان هذا لاشعور يؤلمك كثيراً فلربما تحتاج أنت لمساعدة الطبيب النفسي. لا تتردد في البوح بهذه المشاعر في زيارتك التالية له من أجل مريضك.
2.لا تنزعج من الشعور بالتعب والاستياء أحياناً. تقبل نفسك واعلم أنك بشر لك طاقة وقدرة. الكل يعلم أنه من المؤلم والمرهق جداً أن تقول كل يوم للمريض من أنت ، وماهو اسمك ، وما وعلاقتك به ؛ إضافة للعناية بالنظافة والأكل والشرب والحمام. الله سبحانه قد أمر ببر الوالدين فقال: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربى ارحمهما كما ربياني صغيرا". التزم بنص هذه الآية ولا تحاكم مشاعرك.
3.لا تأخذك العاطفة فتفني نفسك في رعاية المريض فيكون ذلك على حساب نفسك او أسرتك أو عملك. واعلم أنك لو استطعت فعل ذلك فترة من الزمن فإنك قد تنهار ، ولا تستطيع المواصلة.
4.لذلك ، أعط نفسك قسطاً من الراحة والنوم الكافي من خلال مساعدة الطبيب لك بالسيطرة على الأعراض المزعجة لمريضك.
5.لا تتردد في طلب المساعدة من قريب آخر (أو أكثر) لتتوزع الأعباء عليكم بشكل مريح ولتتشاركوا إن شاء الله في الأجر.
6.اهتم بغذاء المريض ، وبنظافة جسمه ، مكانه ، وملابسه خاصة إذا كان مقعداً أو لا يستطيع التحكم في مخارجه.
7.إذا كان المريض طريح الفراش ، فهناك فرش اسفنجية خاصة لذلك يمنع من التقرحات. ولا تنسَ أن تقوم بتقليبه في اوضاع مختلفة بين الحين والآخر لهذا الغر

 

 

أ.د. عبدالله السبيعي

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.