اضطراب الوسواس القهري

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 8, 2015 - 10:23

كان هذا الاضطراب يعتبر من الأمراض النادرة التي لا تستجيب عادة للعلاج ، ولكنه ثبت الآن ومع تقدم الدراسات العلمية الحديثة أنه يصيب ما بين 2-3% من الناس ، وبذلك فإن أكثر من 100 مليون مصاب يعانون من هذا المرض في العالم.

وقد تغيرت النظرة إلى هذا المرض بسبب الاكتشافات الحديثة لإمكانية العلاج واحتمالات الشفاء ، وذلك من خلال الوسائل النفسية والأدوية المأمونة والفعالة في ذات الوقت.
وقد أدت هذه الاكتشافات إلى التعرف على أسباب الوسواس القهري ، ومنها الاختلالات الكيميائية العصبية.

انتشار الوسواس القهري:

وجد أن هذا المرض يصيب 2-3% من الناس ، لذا فإنه يعد أكثر الأمراض النفسية انتشاراً بعد الاكتئاب النفسي. وهو أكثر انتشاراً من الفصام والهلع وداء النحافة ؛ ومن ناحية علمية فإن كل واحد من خمسين شخصاً يعانون من مرض الوسواس القهري.

  • هذا المرض يصيب الرجال والنساء في مختلف الأعمار ومن كل الأجناس والطبقات الاجتماعية. وهو غالبا ما يبدأ في سن المراهقة أو بداية سن الرشد ، وغالبا ما يتأخر المريض سبع سنوات تقريباً قبل أن يبحث عن العلاج ، وذلك إما نتيجة خجله من الحديث عن أعراضه أو اللجوء إلى الأساليب الشعبية في المعالجة.

س1: لماذا لم يعرف أن الوسواس القهري منتشر بهذا الشكل إلا في وقت متأخر؟

ج1: مرضى الوسواس القهري يتميزون بالسرية حول معاناتهم ، وعادة ما يحاولون إخفاءها حتى على أقرب الناس إليهم ، لأن الأعراض التي يعانون منها تكون مزعجة لهم ولا يرضون عنها ويعرفون أنها لا معنى لها أو أنها مبالغ فيها ، أو غير معقولة. وأسوء من ذلك فإن محتوى الأفكار الوسواسية قد يكون ضد الدين أو أقارب المريض مما يجعل من الصعب عليه التحدث عنها خوفاً من الوقوع في الشرك أو الإلحاد وإيذاء شعور الآخرين.

س2: ما مصدر معاناة مريض الوسواس القهري؟

ج2: حوالي 70-80% من مرضى الوسواس القهري يصاب بالاكتئاب النفسي أو يتلقى علاجا للاكتئاب. وعدد كبيرة منهم يذهب إلى الطبيب بسبب التقرحات أوالحساسية في الجلد من كثرة الغسل ، ولكنهم رغم ذلك يخجلون من الإفصاح عن المصدر الحقيقي لهذه الأعراض.

أعراض الوسواس القهري :

اضطراب الوسواس القهري من الأمراض المزمنة ، ويتميز بـ :

  • أفكار متكررة وملحة تتسلط على المريض رغم مدافعته لها (وساوس) ، مما يؤدي إلى الشعور بالقلق والكآبة .
  • أو بتكرار بعض الأفعال بطريقة غير معقولة تستهلك وقتاً طويلاً ولا يستطيع منع نفسه من عملها وتكرارها (الأفعال القهرية).
  • وتختلف الوسواس والأفعال القهرية في محتواها من مجتمع إلى آخر، فبينما تكثر الوساوس في النظافة وتكرار الأعمال المتعلقة بذلك في المجتمعات الغربية ، تكثر في مجتمعاتنا المسلمة الوساوس ذات الأفكار الإلحادية أو الشركية أو الشك في الطهارة أو الصلاة ، ومن ثم تكون الأفعال القهرية ذات صبغة دينية مثل تكرار الوضوء أو الصلاة أو الغسل من الجنابة .

محتوى الوساوس حسب دراسة د. عبد الله السبيعي

عينة غربية % عينة سعودية % الوساوس
14% 20% عنف
22.5% 24.5% قذارة
13% 8.9% جنس
لم تذكر 46.7% ضد الدين
30% 11.1% متعددة
20.5% 11.1% أخرى

محتوى الأفعال القهرية حسب دراسة د. عبد الله السبيعي

عينة غربية % عينة سعودية % الأفعال القهرية
25% 31.1% النظافة / الطهارة
31.5% 42.2% العد / التكرار بما فيها الوضوء والصلاة
19.5% 4.4% أخرى
24% 22.3% متعددة

وقد يخرج محتوى الوساوس أو الأفعال القهرية عن هذه النماذج التي نذكرها هنا للتوضيح والمقارنة لا للحصر.

و تستمر الأعراض في الغالب لعدة سنوات ، ولكنها تختلف في حدتها من وقت لآخر. ومع أن البعض ينجح وخاصة في بداية الحالة في إخفاء مظاهرها إلا أن الوساوس والأفعال القهرية يصعب إخفاؤها عندما تستهلك وقتا طويلا لإنجازها وتؤثر على نشاط المصاب بالوسواس وأعماله اليومية.

س1: هل يعاني كل مرضى الوسواس القهري من الوساوس والأفعال القهرية معاً؟

ج1: الغالبية العظمى تكون لديهم الوساوس والأفعال القهرية معاً ، بينما القلة فقط تكون لديهم إما هذه أو تلك.

س2: هل يدرك مرضى الوسواس القهري غرابة تصرفاتهم؟

ج2: إنهم عادة يدركون ذلك مما يخلق فيهم الشعور بالخوف من الجنون أو الخوف من ما قد يقوله الناس عنهم ، ويجعلهم يجتهدون في إخفائها حتى عن الطبيب وعدم طلب العلاج.

س3: كيف يمكن معرفة الحد الفاصل بين السلوك القهري والدقة المطلوبة في الأفعال مثل الوضوء والصلاة؟

ج3: الدقة مطلب جميل ويؤدي إلى النجاح والإنسان الدقيق الحريص يشعر أن الآخرين يجب أن يكونوا كذلك. لكن المصاب بالوسواس القهري يعرف أن وساوسه وأفعاله القهرية التي ظاهرها الدقة المتناهية غير معقولة ويتمنى الخلاص منها.

س4: هل تعرف أسباب الوسواس القهري؟

ج4: مصادر الوسواس في نظر الطبيب المسلم ثلاثة :

  • إما من النفس كما قال تعالى في سورة (ق): " ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد".
  • وإما من الشيطان كما قال تعالى في سورة الناس: " من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس".
  • وإما وساوس مرضية حيث ثبت أن نقص مادة ( سيروتونين) في مراكز معينة من الدماغ يؤدي إلى وساوس وأفعال قهرية تستجيب عادة إلى بعض مضادات الاكتئاب التي تعمل على زيادة تواجد هذه المادة في الدماغ.

ولعل هذا ما يفسر أن بعض حالات الوساوس القهري تشفى بالقراءة والأذكار الشرعية المعروفة ، حيث قد يكون مصدرها النفس أو الشيطان ، بينما لا يستجيب عدد آخر من الحالات إلا للعلاج بالعقاقير المذكورة وهذه قد يكون مصدرها مرضي.

س5: هل الوسواس القهري مرض وراثي؟

ج5: لا يمكن الجزم بأنه وراثي ولكنه قد يحدث في أكثر من فرد في نفس الأسرة.

س6: هل يمكن تشخيص الوسواس القهري بسهولة ؟

ج6: في ظل الفهم الأفضل لهذه الحالة والتطور المستمر في اكتشاف الأسباب والعلاج ، يمكن تشخيص هذا الاضطراب بسهولة ، ولكن ذلك لا يحدث بالطبع إذا لم يكن المصاب متعاوناً وطالباً للعلاج بإذن الله.

طرق المواجهة :

إن هناك الكثير مما يمكن عمله ولكن قبل ذلك هناك بعض التوجيهات.

  • أولاً: يجب أن يعرف المصاب بالوسواس القهري أنه ليس وحده ، وأن هناك واحداً من كل خمسين شخصاً يشعر بنفس الوساوس والأفعال القهرية ، وأنه لا داعي للشعور بالذنب ، وأن ذلك لا دخل له بالضعف أو الإرادة.
  • ثانياً: يجب أن يتعرف المصاب على حالته ويراها كما هي و يدرك أن لا علاقة لها بالجنون ( أي فقدان العقل ) من قريب ولا من بعيد ، وأن يقوم هو بنفسه بطلب العلاج.
  • ثالثاً: أن لا يترك العنان لنفسه فيكون فريسة للوساوس والأفعال القهرية المستهلكة للوقت والطاقة، بل يناقش وبكل صراحة هذه الأمر كلها مع طبيبه فهو معتاد على سماع هذه الأشياء ويعرف ماهيتها ولن يتهمه بنقص العقل أو الجنون.
  • رابعاً: أن يهتم بأشياء أخرى غير ما تمليه عليه الوساوس ويلتزم بما يوصيه به الطبيب من إرشادات أو نصائح أو علاج ، حتى وإن استغرق ذلك عدة أسابيع ، لأن ذلك محتمل ، فالوسواس من الاضطرابات العنيدة.
  • خامساً: أن لا يستسلم إن ألحت عليه الأفعال القهرية ، إذ بقدر مقاومته لها يكون تضاؤلها وانتصاره عليها.

س1: هل يستجيب المرض للعلاج إذا كان مزمناً؟

ج 1: إذا كان المرض مزمناً فقد تختلف الأعراض في شدتها من وقت لآخر وتختلف قدرة المصاب على مقاومتها من وقت لآخر أيضا. ولكن العلاج الدوائي والعلاج السلوكي يقدم قدراً كبيراً من الراحة والتحسن.

س2: ما هو العلاج السلوكي ؟

ج2: العلاج السلوكي يكون مبنياً على برنامج متكامل مفصل حسب حالة كل مريض على حدة ، ويهدف لمكافحة الأفعال القهرية. وهو يهتم بمعالجة الأعراض دون الخوض في تفاصيل الأسباب ، و إنما يركز على ممارسة الأفعال القهرية. وفي كثير من الحالات فإن العلاج الدوائي يقلل من الأعراض إلى حد كبير يتيح للمريض التغلب عليها من خلال برنامج العلاج السلوكي.

س3: كم يستغرق العلاج عادة ؟

ج3: قد يمر شهران أحيانا دون أن يكون هناك تحسن ملحوظ في المرضى الذين يتلقون العلاج الدوائي ، وأكثر من ذلك بكثير فيما يتعلق بالتحسن التام. ولكن نظراً لأن الوسواس القهري من الاضطرابات المزمنة فإن التوقف عن العلاج كلية يجب أن لا يحدث قبل سنة في الغالب.

س4: كيف يمكن علاج الذين يعانون من الوسواس القهري والاكتئاب؟

ج4: لحسن الحظ فكل مضادات الوسواس القهري هي من مضادات الاكتئاب النفسي (وليس العكس صحيحاً) وقد يختار الطبيب المعالج من بينهما ومن بين وسائل العلاج النفسي الأخرى ما يكون كفيلاً بإذن الله للشفاء من هذين المرضين

 

 

أ.د. عبدالله السبيعي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.