الخرف الكاذب عند المسنين

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 8, 2015 - 10:40

هذا المصطلح يُطلق على الشخص كبير السن الذي يأتي بأعراض شبيهة تماماً بالخرف. فيشكو من ضعف الذاكرة، ويُهمل نفسه، ويصعب عليه التعبير عن نفسه، وينعزل عن الآخرين، ويبدو عليه الهم والكآبة. وكثيرا ما يظن الأهل أن هذه الأعراض هي أعراض خرف، وربما يبدؤون يتعاملون معه من هذا المنطلق. لاشك أن هذا الفهم للخرف الكاذب، قد يؤدي إلى عدم علاج المريض وبالتالي إلى زيادة معاناته.

هناك عدة نقاط مهمة بالنسبة للأهل للتفريق بين الخرف الحقيقي والخرف الكاذب، أهم هذه النقاط:

  1.  بدء الأعراض: ففي مريض الخرف الكاذب تكون البداية مفاجئة، حيث يستطيع الأهل تحديد متى بدأت أعراض فقدان الذاكرة، ومتى بدأ التغيير في السلوك، وهذا عكس الخرف الحقيقي تماماً، حيث في الخرف الحقيقي تكون البداية غير معروفة، ولا يتنبه الأهل إلى الأعراض إلا بعد فترة طويلة نسبياً من بداية المرض.
  2.  عادة يكون الشخص الذي يُعاني من خرف كاذب لديه إصابة سابقة بالاكتئاب، وكذلك يكون في كثير من الأحيان هناك تاريخ عائلي للإصابة بمرض الاكتئاب بين أقارب المريض.
  3. المريض يكون لديه القدرة على تعّلم أشياء جديدة ومع ذلك يشكو من فقدان الذاكرة.
  4. تصرفات المريض لا تتماشى مع تدهور الشخصية كما يحدث في مرض الخرف الحقيقي (الزهايمر).
  5.  عند سؤال المريض عن أي حدث، تكون إجابته: لا أعلم، أو لا أستطيع أن اتذكر، بينما مريض الخرف الحقيقي، يحاول أن يتذكر، ويعصر ذاكرته، وعندما لا يستطيع التذكر، يشعر بالإحباط والغضب، وربما يصبح عدوانياً، ويتهم الآخرين بأنهم يحاولون الإساءة إليه. بينما هنا في الخرف الكاذب يكون المريض هادئ الأعصاب، ولا يتنرفز، ولكن يبدو عليه أنه مُكتئب.
    السبب الرئيس للخرف الكاذب هو الاكتئاب.

الاكتئاب عند كبار السن:

  • ينتشر الاكتئاب عند كبار السن بشكل كبير، ولكن كثيرا ما يمر دون أن يتنبه له أحد، فالشخص المسن، عادة لا يشكو من تدني المزاج كما هو الحال عند من هم في سن الشباب أو مراحل الكهولة.
  • أكثر ما يشكو المسن عادةً من أعراض بدنية وآلام مختلفة في أجزاء متعددة من جسده.
  • وعادة ما يكون هذا الاكتئاب مصاحباً بالقلق الواضح وكثرة الحركة، وهذا عكس ما يحدث في صغار السن.
  • عندما يكون الاكتئاب شديداً يشعر الشخص بالذنب وأنه ليس له أي قيمة في هذه الحياة.
  • أحياناً يشعر المسن بأنه أصبح فقيراً معدماً ليس لديه ما يملكه اطلاقاً. وكثيراً يكون هذا الشعور غير صحيح، وربما يصل هذا الشعور إلى درجة الضلالات، وهي اعتقاد راسخ خاطئ لدى الشخص بأن الشيء الذي يؤمن به صحيح ، وإن كانت كل الدلائل تُشير إلى عكس ذلك، ولكن الشخص يُصر على ذلك.
  • وقد يحدث أن تكون هناك هلاوس سمعية. غالباً ما يكون محتوى الهلاوس السمعية اكتئابياً، مثل أن يسمع المريض أصواتا تقول له: "أنت إنسان تافه" أو "أنت إنسان حقير.. موتك أفضل لك من الحياة"، وكثيراً ما يتأثر الشخص المسن بهذه الهلاوس السمعية، التي من الصعب الشرح له بأنها غير حقيقية.
  • يُعاني المسن أيضاً من ضعف الذاكرة، وصعوبة التركيز، وهذا يجعله كما ذكرنا في بداية المقال عن الخرف الكاذب أو الخرف غير الحقيقي، أن يُخلط بينه وبين الخرف الحقيقي.

فقدان الشهية:

يعاني المسن في هذه المرحلة أيضاً من فقدان الشهية للأكل، ويصبح غير قادر على الأكل، وبعض مرضى الاكتئاب من كبار السن، يعتقد أن معدته مغلقة أو أن بها عطبا، ويشكو الكثير منهم بأن هناك مرضا خطيرا في معدتهم وكثيراً ما يعتقدون بأنه مرض خبيث كسرطان المعدة. وأحياناً يخشى المسن من أنه لا يستطيع البلع وأن أي شيء سوف يتوقف في حلقه ويغص بها ويموت. ومن الحالات القليلة التي شاهدتها، سيدة في حوالي السبعين من العمر كانت ترفض أن تتناول أي شيء عن طريق الفم بما في ذلك الماء.. وفقدت وزنها وأُصيبت بالجفاف، ورغم ذلك فإنها رفضت تناول أي شيء بتاتاً عن طريق الفم. واضطررنا إلى إدخالها إلى المستشفى، وتغذيتها عن طريق أنبوب التغذية عن طريق الأنف. ورغم ما لهذا الأنبوب من مضاعفات وما يسببه إدخاله من الأنف إلى المعدة من آلام إلا انها كانت ترضى به، وكانت تُصاب بالهلع والذعر عندما نقترب بجانبها ومحاولة إعطائها ماء في وعاء صغير من الذي يُستخدم لإعطاء الأطفال الأدوية، وسعة هذا الوعاء تقريباً 20ملليمتراً، أي معلقتان أو ثلاث من ملاعق الأكل الكبيرة. وبقيت هذه السيدة على هذا الحال أشهر، ولم تنجح معها الأدوية المضادة للاكتئاب أو الأدوية المضادة للذُهان. ولكن بعد أشهر من العلاج والإصرار والتدرج بدأت هذه السيدة في الأكل، بداية بالسوائل ثم أكل الطعام السهل المضغ. المثير للدهشة أن هذه السيدة تستغرب من حالها، وتُخاطب نفسها: "أنا انجنيت أخاف من شرب الماء؟ أعطوني ماءً أشربه، لكن لا أحد يستعجل عليّ.!"، ولكن عندما نُقرّب الماء منها تُصاب بالرعب، وتبدأ بالصراخ..! لقد نقص وزنها بصورة كبيرة وأصبحت تعاني من اختلال المعادن في الجسم، وكذلك سبب لها أنبوب المغذي عن طريق الأنف تقرحات في الأنف، وبعض الالتهابات.

كذلك يعاني كبار السن عندما يصيبهم الاكتئاب من تغير المزاج خلال اليوم، ففي الصباح مثلاً تجده مُكتئبا، ثم يتحسن المزاج في منتصف النهار، ثم يعود مرة أخرى للكآبة في المساء، وهكذا دواليك.. حيث يتغير المزاج ويتقلب بصورة كبيرة، وهذا يُسبب إحباطاً للمحيطين به، ويجعلهم يعيشون في دوامة من التوتر والقلق حيث لا يعرفون كيف يتعاملون معه.

اختلال النوم أيضاً، حيث يتلخبط نوم المسن المُكتئب زيادة على اللخبطة التي يعانونها أصلاً عندما لا يكون لديهم اكتئاب.

كثيراً ما يعاني المسن المُكتئب من ضلالات بدنية، كأن يظن المريض بأن جسمه مليء بالديدان ويُحاول أن يُخرج هذه الديدان، وربما لجأ إلى استشارة أطباء دون معرفة أبنائه أو أقاربه، وربما شخصه طبيب لا يعرف حالته على أن لديه مشكلة عضوية، ويبدأ العلاج على هذا الأساس.

إن معرفة أن الوالد أو الولدة أو العم أو الخال أو الجد أو الجدة مريض أو مريضة بالاكتئاب قد يُغّير مسار أمور كثيرة، فكثير من شكواهم الجسدية يُمكن تفسيرها بالحالة النفسية التي يمر بها هذا القريب، بينما الجهل بهذه الأعراض قد يقودنا إلى إجراء كثير من الفحوصات بعضها مكلف مادياً وبعضها يُعرض حياة المريض للخطر، بل ربما تعرض المريض إلى عمليات جراحية أو إلى الدخول إلى المستشفيات لفترات طويلة، وعادة ما يكون ذلك في مستشفيات خاصة، لأن المستشفيات الحكومية، كثيراً ما يعرفون هذا الأمر، بينما المستشفيات الخاصة، رغم معرفة أطبائها بهذا الموضوع إلا انهم في كثير من الأحيان يستجيبون لشكاوى المريض الوهمية، ويبدأون في إجراء فحوصات لا داع لها، وربما قاموا بعمل فحوصات ليس لها داع على الاطلاق، وربما عرّضت حياة المريض للخطر، لكن ذلك ليس في حسبانهم، فكل ما يهم هو الربح المادي، لذلك يجب فهم أن المرضى الذين يُعانون من الاكتئاب كثيراً ما يشكون من أعراض جسدية، ويتوهمون أمراضا عضوية ليس لها وجود، ويبحثون في المستشفيات عن من يؤكد لهم هذه الأمراض، ومع التقدم في العمر فإن هذا الوهم بالامراض العضوية يزداد ويتضاعف مرات عديدة.

في بعض الأحيان يلجأ المسن المُكتئب إلى الانزواء والابتعاد عن الناس، ويشعر بأنه عبء على أبنائه أو أقاربه، وفي الغرب حيث يعيش أغلب المسنين في دور خاصة بهم فإن الاكتئاب يزداد، وكذلك عدم وجود دعم معنوي وعاطفي من الأقارب كثيراً ما يقود إلى الانتحار.

نحن مازلنا ولله الحمد نعتبر أن رعاية الوالدين من أهم الأمور في حياتنا، وهناك قصص كثيرة سمعتها وشاهدتها كيف يبر بعض الأبناء بوالديهم، وهو عمل عظيم، وثوابه عند الله جزيل، فهما اللذان رعيا هذا الطفل لكي يُصبح كبيراً وينتبه لهما ويرعاهما كما رعياه صغيراً، لكن على الجانب الآخر بدأنا نلاحظ بعض الأبناء الذين يتركون والديهم في المستشفيات، ولا يزورونهم، ويتركونهم حتى تحولهم المستشفيات إلى دور الرعاية الاجتماعية.

بعض الأبناء لتحرجه من ترك والده في دور المسنين، فإنه يعمل المستحيل كي يُبقي والده في المستشفى، ويحاول بكل ما أُوتي من قوة وعلاقات اجتماعية بأن يُبقي والده في المستشفيات، وذلك يجعل بعض المستشفيات تُعاني من إشغال الأسرة، بمرضى ليسوا بحاجة لرعاية طبية، وإنما كل ما يحتاجون إليه هو رعاية فقط ليست طبية، إنما من يقوم على خدمته والاعتناء به.

نسب مرتفعة:

نسبة الاكتئاب في المسنين مرتفعة، ولكنها للأسف لا يُلتفت لها، لأننا في مجتمع يظن أن المرض النفسي خاص لفئة معينة، لذلك يُتقبل شكوى وتذمر المريض من الأعراض الجسدية، ومحاولة علاج هذه الأعراض الجسدية التي كثيراً ما تستمر لوقت طويل، وتنتقل من عضو إلى آخر، ومن مكان في الجسم إلى آخر.. وهكذا يستمر المريض بين العيادات بحثاً عن مرض غير موجود كي يُعالج.. بينما لو تذّكر الأهل والأطباء المعالجون، بأن الاكتئاب عند المسنين ينتشر بكثرة، وحولوا هذا المريض إلى طبيب نفسي، فإن الوضع سيكون مختلفا جداً.!

في الدراسات الغربية، تبلغ نسبة الاكتئاب بين المسنين حوالي 22% وهذه نسبة عالية جداً، وبالطبع يكثر بين النساء بنسبة واضحة، وتقول الدراسة بأن 13% من هؤلاء المُكتئبين يحتاجون إلى تدخل سريع لعلاجهم. وفي دراسة أُجريت في بريطانيا للمسنين الذين يُعانون من الاكتئاب، والذين تم إدخالهم إلى مستشفيات، تبين أن:
1- 37% من هؤلاء المرضى يُعانون من اكتئاب ذهاني شديد مع ضلالات بأنهم غير موجودون (ضلالات العدمية، أي أن الإنسان يشعر بأنه عدم، غير موجود).
2- 39% اكتئاب متوسط، مع ضلالات ولكن لا يتواصلون مع الآخرين، أي أنهم يعزلون أنفسهم.
3- 39% وفي هذا النوع يكون الاكتئاب يشوبه القلق والإلحاح في الطلبات وعدم الرضا عن أي شيء، مما يُسبب الإرهاق والحيرة لمن يرعاه.

علاج الاكتئاب عند كبار السن:

  • من الضروري معرفة أن الاكتئاب عند كبار السن، إذا تم تشخيصه فإنه يستجيب بصورة جيدة للعلاج الدوائي.
  • أحياناً يكون المريض بحاجة إلى جلسات كهربائية، وللمعلومية فإن الجلسات الكهربائية من أكثر واسرع الطرق علاجاً للاكتئاب خاصة، إذا كان المريض لا يأكل والاكتئاب عنده شديد.
  •  

إعداد: د. إبراهيم الخضير
المصدر: جريدة الرياض
عيادة الرياض

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.