التدخين ، مضاعفاته النفسية

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 8, 2015 - 09:27

يعتبر التدخين أكثر العقاقير المخدرة استعمالاً ، ولكنه بسبب انتشاره كعادة اجتماعية مقبولة في كثير من الأوساط لم يعد الكثير يعتبره  عقاراً مخدراً.  أما من الناحية العلمية فالتدخين بجميع أنواعه يسبب إدماناً على مادة النيكوتين وقد صنف في التقسيم الرابع للأمراض النفسية الأمريكي الصادر عام 1993م والذي لا يزال معمولاً به ، ضمن المخدرات مثل الكحول والهيروين وغيرها.

التأثيرات السلبية للتدخين من الناحية النفسية يمكن تقسيمها إلى نوعين هما:

 

 

1. تأثيرات الإدمان:

نتيجة لتذبذب كمية النيكوتين في الدم بين سيجارة وأخرى تتأثر خلايا الدماغ فيصبح المدخن متوتراً ، قلقاً ، غير قادر على الإسترخاء
كذلك فإنه يجد صعوبة في التركيز مما يحدث له صداعاً وسرعة في الانفعال والغضب. هذه بدورها قد تؤدي إلى مشاكل مع الآخرين في العمل أو مشاكل عائلية ، وقد يؤثر حتى على تربية الأطفال تأثيراً سيئاً نتيجة لاستخدام العنف والألفاظ النابية ، ناهيك عن ما قد يكتسبه الطفل من عادات سيئة من والده المدخن عن طريق التقليد الذي هو سمة من سمات الطفولة البريئ. 

كذلك فإنه نتيجة لما يعانيه المدخن من قلق وتوتر وصعوبة في ضبط الأعصاب ، فإنه قد يلجأ إلى استخدام أدوية وعقاقير مهدئة ، إما عن طريق الشراء المباشر من الصيدليات أو بالطرق غير المشروعة أو عن طريق الطبيب النفسي الذي قد لا يحسب أن شكوى مريضه هذا بسبب التدخين - أقول قد يلجأ المدخن لاستخدام هذه العقاقير - وبسبب التدخين أيضاً فإن مقدرة الكبد على التخلص من هذه المركبات وغيرها إما أن تكون ضعيفة مما يؤدي إلى تراكمها في الجسم والإضرار به وزيادة الحالة النفسية سوءاً على سوئها أو قد يؤدي التدخين إلى نقص في كمية هذه المركبات في الدم والدماغ مما يجعل المدخن لا يستفيد من بعض هذه الأدوية الموصوفة له بطريقة شرعية مثل أدوية الاكتئاب النفسي والذهان الوجداني والهوس أو حتى المضادات الحيوية.

أما النوم فيكون متقطعاً وغير مريٍح ، إما نتيجة مادة النيكوتين نفسها ، وإما نتيجة السعال المستمر والأرق الذي يزيد المدخن توتراً وقلقاً وتهوراً في السلوك وضعفاً في التركيز.

كذلك فمع التدخين المستمر لمدة طويلة ، فإن عاملاً أو بعداً آخر يدخل إلى القضية ألا وهو تأثير الغازيات الأخرى التي يستنشقها المدخن مع كل نفس من سيجارته ، ومن أهم هذه الغازيات أول أو كسيد الكربون الذي يؤدي التسمم البطئ به إلى الاكتئاب وضعف في الذاكرة وكثرة النسيان وأحياناً بعض الأمراض العصبية مثل الشلل الرعاش والصرع . هذا إضافة إلى الكثير من المواد العضوية المتسرطنة والتي لا يخفى أثرها على الصحة العامة ومناعة الجسم. 

 2. تأثيرات انسحاب النيكوتين:

لعل هذا أكبر دليل على أن التدخين عقار مخدر يسبب الإدمان ، فعندما يحاول المدخن الإقلاع عن التدخين تظهر عليه أعراض جسمية ونفسية نتيجة نقص النيكوتين في خلايا دماغه وجسمه ،إذ أصبحت هذه المادة المخدرة جزءاً من تركيبة دمه وهذا هو الإدمان بعينه . هذه الأعراض هي التي تجعل نسبة النجاح في الإقلاع عن تعاطي السجائر لا تزيد عن 12% مهما اختلفت طريقة العلاج إذ أن بعض المدخنين قد يعود إليه بعد سنين من الإقلاع وعدم التدخين.

عندما يتوقف المدخن عن التدخين فإن أعراض انسحاب مادة النيكوتين تظهر عليه خلال أربع وعشرين ساعة ، من هذه الأعراض مثلاً القلق والعصبية وسرعة الانفعال والاضطراب والنعاس مع عدم القدرة على النوم المريح وشعور بالضيق والاختناق والصداع ، كل هذه تكون مصحوبة برغبة شديدة في التدخين لإطفاء نار هذه الأعراض المزعجة.

إذا لم يستسلم المدخن لهذه الأعراض فإنها لا تلبث أن تختفي في غضون أيام قلائل ولكن احتمالات العودة إلى التدخين لا تزال مرتفعة جداً . يعود السبب في ذلك إلى أن هناك نوعين من الإدمان ، إدمان عضوي وهذا يعتبر بسيطاً إلى حد ما ، إذ بإمكان الأطباء مساعدة المدخن على تجاوز هذه المرحلة وهي ما أسمينا، تأثيرات انسحاب النيكوتين . أما النوع الثاني من الإدمان فهو الإدمان النفسي وهو كون التدخين عادة اجتماعية لها بعض الشعائر التي تحيط بها مثل التدخين على كوب من الشاي أو برفقة أناس معينين ، وطريقة الإمساك بعلبة السجائر واستخراج السيجارة منها ومن ثم وضعها في الفم بطريقة معينة ثم إشعالها واستنشاق الدخان بنفس عميق ثم إخراجه ونفخه بطريقة معينة ...الخ.

كل هذه الحركات والأفعال تكون عادات تلقائية في المدخن مما يكسبها نوعاً من المقدرة على إعطاء شعور وهمي بالاسترخاء والقدرة على التعامل مع بعض المشاكل التي تعترض طريق المدخن ، لذلك تجد الكثير من المدخنين يعللون هذه العادة السيئة وهذا الإدمان بأن السيجارة تعطيهم شعوراً بالصفاء والاسترخاء ولعل هذا التعليل أو هذا شعور هو الذي يجعلهم عبيد في قيد السيجارة لا يملكون لأنفسهم وسيلة إلى الحرية .

انظر مثلاً إلى المدخن في الأسابيع الأولى من إقلاعه ، تراه لا يفتأ يرد يده إلى جيبه دونما إدراك باحثاً عن علبة السجائر وهذا هو أكبر دليل على قوة هذا القيد ورسوخ هذا المدخن في رق التدخين.

 

 

أ.د. عبدالله السبيعي 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.