الصديق اللدود..فن اختيار الأصدقاء

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 08:51

"أبني وهم يهدمون ، أصلح وهم يفسدون ، أدافع وهم يهاجمون .. أقف إزاءهم موقف المواجه..موقف المحارب.. موقف الخصم اللدود..فإما أن أنجح في جذبه وإعادته لحظيرة بيته الحقيقي وقيمه الأصيلة وأخلاقه النبيلة ، وإما أن أفشل ويتسرب من عالمي إلى عالمهم المقيت حيث تتبدد المعاني وتنهار القيم وتتبدل الأخلاق والسلوكيات والمعالم.. إنه ابني على أعتاب المراهقة..ومعركتي مع أصدقائه الجدد الذين باتوا يشكلون خطراً داهماً يتعاظم يوماً بعد يوم.."
لعله مقطع من حوار يدور في خلد كثير من الأمهات ممن تعيش معاناة تأثر ابنها بأصدقائه الجدد ، والذين يشكلون أكبر الخطر عليه ، ويبذلون جهدهم لفرض سيطرتهم عليه ، وبسط تأثيرهم على شخصيته المتنامية..
لعله ملمح من موقف حائر تعيشه بعض الأمهات وهي تشعر بالعجز أمام ما يحدث ؛ فلا هي تملك سلطة منع أبنائها من أصدقائه ..ولا هي تملك قوة الإقناع لإبعاده عنهم..وفي الوقت ذاته لا تملك قدرة العقاب لتصرفه عن هذا الطريق..
وهنا نحاول أن نطرح المشكلة في محاولة لإيجاد حلٍ مناسب أو مقترحات معالجة لقضية اختيار الصديق..
أهمية الصداقة:
الصداقة ملمح أساسي من ملامح الحياة الانسانية وضرورة من ضروراتها ، فالرفقة تشعر الإنسان بالتوافق والتكيف مع البيئة المحيطة ، كما أنها تلبي العديد من الاحتياجات النفسية والاجتماعية لدى الإنسان ؛ لأنها ساحة غنية لتبادل الخبرات والتجارب وصقل القدرات ، وتوظيف الطاقات الكامنة ، باختصار فإن الصداقة هي حجر الأساس في شعور الفرد بالانتماء للجماعة..
وعلى قدر أهمية الصداقة تتحدد قوة تأثيرها على شخصية الفرد ، فكلما أمعن المرء في التدقيق في اختيار أصدقائه وجماعة رفاقه كلما كان لذلك أثره الواضح في تدعيم استقامة سلوكه وسوائه النفسي..بل قد يفوق أثر الأصدقاء في مرحلة ما تأثير الأسرة والوالدين بشكل مباشر..مما يؤكد أن فن اختيار الأصدقاء أمر دقيق له أهميته القصوى في حياة كل إنسان..
يقول الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فـكـل قـريـن بالـمقـارن يقـتـدي
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل' ، ويقول صلى الله عليه وسلم مبينًا أهمية الصحبة وأثرها: 'المرء مع من أحب' 
متى يبدأ تعليم الأطفال مهارات اختيار الصديق:
مهارة اختيار الصديق ليست مهارة بسيطة يتم اكتسابها بين عشية وضحاها ، ولكنها مهارة دقيقة تستدعي الكثير من الإعداد والتهيئة عبر عدد من الخطوات والمراحل..
لذا فهي تستدعي الإعداد المبكر ليس فقط للأبناء ، ولكن للآباء من قبلهم ، وحتى يكون الحديث محدداً يمكن صياغته في الخطوات التالية:
** صادق من أجل أبنائك:
لأن صداقاتك ستكون مظلة لأبنائك ومرآة عاكسة لكيفية اختيار الأصدقاء ، ولأنك ستكون بمثابة النموذج والقدوة لا سيما في مراحل طفولتهم المبكرة..ولأن صداقاتك قد تمتد ليكون أبناء أصدقائك هم بالتبعية أصدقاءً لأبنائك..فلابد من الحرص الشديد في انتقاء الأصدقاء ، وانتقاء الأسرة التي يمكنك الارتباط بها وزيارتها وإقامة علاقات اجتماعية معها..
فلا تتنازل الأم عن مواصفات الأسرة الصالحة المثالية عند اختيار صديقاتها ، ولا يتنازل الأب عن مرافقة الصالحين ليكونوا نماذج لأبنائه ..ومن الممكن جداً أن يكون لهؤلاء الأصدقاء أبناء يصطفون كأصدقاء للأبناء بالتبعية ، يتم الاختلاط بهم في الأندية والرحلات والنزهات ومختلف الأنشطة الاجتماعية..
** ارسم له نموذج الصديق الصالح منذ الطفولة:
إذا كنت ترغب في أن يتقن الابن اختيار أصدقائه ، فلابد أن يكون لديه نموذج متخيل أو مقياس محدد يتم على أساسه قبول أو رفض أصدقائه..فلابد من غرس القيم النبيلة والتمييز بينها ، ليس فقط عن طريق السرد ، ولكن من خلال الحكي والقصص التي تناسب عمر الطفل..فطفل الثالثة يناسبه الحديث عن مواصفات الصديق المثالي من خلال قصة عن الصداقة بين الحيوانات ، وقيم الوفاء والصلاح أو قيم الغدر وعدم الأمانة ..أما طفل الثامنة فيمكنه تقبل القصص الأكبر سناً عن صفات الصديق الصالح وصديق السوء ، كما يجب تدعيم ذلك بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الصداقة " المرء على دين خليله.." " إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحًا خبيثة".
وغير ذلك من المعاني الإيمانية الكريمة التي تغرس غراس الإيمان في نفس الطفل في سن مبكرة ، وقيمة مراقبة الله عز وجل في السر والعلانية..
كما يجب تنمية ملكة النقد لدى الطفل لسلوكيات من حوله ؛ فإذا مر بطفل يشتم مثلاً لابد أن تستنكر الأم هذا السلوك وتنفره من صورة مثل هذا الطفل ، كما يجب أن تحبب إليه صورة طفل هادئ أو متعاون أو بار بوالديه أو مواظب على صلاته ..حتى تتضح لديه صورة الصديق الصالح..
** التفرقة بين الزمالة والصداقة:
لابد أن نشجع الطفل على توسعة قاعدة معرفته بالآخرين ، ولكن في الوقت ذاته عليه أن يلتزم الدقة في اختيار أصدقائه ..فثمة فارق بين زميل الدراسة والصديق المقرب ..وهنا لابد من مهارة الانتقاء على أساس المعرفة الوثيقة ومراقبة السلوكيات والتصرفات والمواقف..ولابد أن يكون جسر الحوار ممتد بين الطفل ووالديه حتى يعينوه على فهم أصدقائه والتفرقة بين الصالح والطالح منهم..ولابد أن نساعد الطفل على استنتاج السلوك الخاطئ من خلال مناقشته حتى يصل لعدم صلاحية هذا الطفل أو ذاك ليكون صديقاً..أو يصل أيضاً لصلاحية هذا الطفل ليكون الصديق المقرب..
** أحبب حبيبك هوناً ما:
نعم فللصداقة درجات ، ولابد ألا يصل الابن إلى حد التعلق بصديقه ، وهذا يتم من بداية التعارف ، حيث يتم إبداء الملاحظة حول وسائل الاتصال ومرات التواصل حتى ينحو الطفل تلقائياً إلى الاعتدال ، ولا نتركه حتى يصل لدرجة التعلق ومن ثم نبدي اعتراضنا على هذه الصداقة.. 
ونذكر من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما. وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)).
** المنزل ساحة للقاء الأصدقاء:
لابد أن يشعر الابن أن المنزل بيئة مناسبة للقاء الأصدقاء ، شريطة اختيار الأوقات المناسبة بما يتناسب مع ظروف أفراد الأسرة ، ولابد أن ينتهز الوالدان هذه الفرصة للتعرف على أصدقاء الابن أو الابنة ، والاشتراك في جلساتهم وأحاديثهم وهمومهم ومشكلاتهم ، دون أن يمثل هذا نوعاً من الضغط أو المراقبة الشديدة على الأبناء..
ومن خلال هذه المشاركة الودودة يمكن للوالدين التأكد من صلاحية هؤلاء الأصدقاء من عدمها ، وإذا كانت هناك بعض الملاحظات السلبية يمكن إظهارها للابن بصورة غير مباشرة ليصل باقتناعه لعدم صلاحية هذا الصديق أو التحفظ على بعض سلوكياته.. 
** صداقات المراهق وعتبة الخطر..
إذا كانت الصداقة لها أهميتها وقوة أثرها في شخص الفرد في جميع مراحله ، فإن صداقة المراهق لها وضعية خاصة ، فعادة ما تكون جماعات الرفاق بالنسبة للمراهق هي وسيلته للخروج من سلطة العائلة والبحث عن الاستقلالية والخصوصية وإثبات الذات في عالمٍ قد اختاره هو ، وكانت له الإرادة الكاملة في الانتماء إليه..
وكثيراً ما تحدث الخلافات بين الآباء والأبناء إذا كانت هناك بعض الاعتراضات على صحبة المراهق ، من حيث المستوى الاجتماعي أو الأخلاقي أو شدة الارتباط بهم والإذعان لرأيهم في مقابل رفض السلطة الوالدية ، ومن هنا ينشأ الصدام الذي يتخذه المراهق قضيته ووسلته لإثبات تفرده واستقلاليته وحقه في اختيار الجماعة التي ينتمي إليها...
ونقول إن الصدام والمواجهة في مثل هذه الحالات لن تجدي نفعاً ..خاصة أن الاعتراض المباشر واللوم الدائم قد يؤدي إلى نتيجة عكسية ..ولكن الوسيلة الأفضل لتعديل هذا النمط من العلاقات في مرحلة المراهقة هو البحث عن البديل المناسب ويتمثل هذا في:
- إيجاد مناخ من الصداقة والتفاهم بين الابن ووالديه..وإشعاره بالاحترام والنضج والمسؤولية المباشرة عن أفعاله واختياراته..فهذه الصداقة ستقلل من حدة ارتباط المراهق برفاقه ، وتجعله يشعر بالراحة في مناخ عائلي هادئ مترابط لا يدعوه للنفور والبحث عن عالم آخر خارج المنزل..
- توجيه المراهق للأنشطة الدينية والتثقيفية الهادفة التي تناسب سنه ، وهذه الأنشطة قد تجمعه بجماعات أخرى تحل محل الجماعات السابقة..
- استخدام أسلوب التلميح ..لا التصريح ، والبعد عن الوعظ المباشر في نقد أي سلوك يحدثه المراهق أو يحدث أمامه ، ليستنتج هو خطأ هذا السلوك ، وينصرف عنه تلقائياً أو ينصرف عن صاحبه..اقتداء بأسلوب النبي الأعظم صلوات الله وسلامه عليه في توجيه الشباب..؛ حيث كان يقول إذا بلغه شيء عن أحد: [[ما بال أقوام يقولون كذا وكذا]], مبتعدًا عن التشهير موجهاً بأسلوب شفاف رفيع،

 

 

أ. شروق محمد 

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.