نعم..فالفوضى ضرورة

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 09:04

أنا متأكدة بأن الآباء عندما يقرأون هذه السطور سوف يتنهدون ويهزون رؤوسهم موافقة لي، خصوصاً من لديه منهم طفل في السنوات الثلاث الأولى من عمره!! فالفوضى والعبث بالكتب والمجلات ورمي وسائد المقاعد والكنبات وتوسيخ الأماكن بالطعام وبقايا العصير والحليب وتكسير التحف وزينة البيت هي العلامة الكبرى الدالة على ان في هذا البيت طفل لم يتجاوز الثالثة من عمره!!

صديقتي تحدثني بأنها غفلت عن طفلتها ثواني معدودة، وعندما فقدتها وبحثت عنها وجدتها في المطبخ وقد فتحت كيس الطحين الأبيض وحثت على رأسها وجسمها منه حتى أصبح منظرها كالأشباح، وتتساءل من أين يأتي الأطفال بمثل هذه الأفكار الشيطانية!!
كثير من الآباء يستثار سريعا من هذه التصرفات ويفقد أعصابه وربما استعمل الطرق الخاطئة مع هذه التصرفات الطفولية البريئة!!

ومشكلتنا أننا عندما نرى هذا العبث والفوضوية نراهما بأعيننا ونحللهما بعقولنا الكبيرة بدل أن نرى هذه التصرفات بعين الطفل وفهمه القاصر لطرق التعبير وطرق التعلم!!

دعوني أضرب لكم مثلا : فالطفل في هذه السن لديه قدرة هائلة على التعلم والاستيعاب واكتساب الخبرات، فماذا تظنين أنت انه فاعل بهذه (الطاقة الكامنة) هل ستطلبين منه الجلوس في كرسيه دون حركة أو أن يكتفي بما يراه من حوله دون أن يعرف الأبعاد وطرق التوازن وكيفية القفز، أم تريدينه أن لا يتعرف على ماهية الأشياء التي أمامه عن طريق جس الأشياء وتحسسها بيده وربما استخدم فمه ليعرف طعمها ومدى خشونتها، هذه القدرة الهائلة على التعلم لا يكفيها أن نجلب له صندوقاً مليئاً بالألعاب ووسائل التعلم، فهي قوة غير محدودة للاكتشاف واكتساب الخبرات، ولابد فيها من تجربة جميع الأطراف ابتداء بالفم والشم والسمع ومرورا باليد وانتهاء بالقدم!!
تولد مع الأطفال رغبة قوية في التعلم واكتشاف الأشياء واكتساب الخبرات ولكنهم يريدونها بالطريقة الممتعة، التي تشعره بالحماسة وعدم الملل، لذلك احرصي على توفير التعليم عن طريق (المتعة والكثير من الحرية)، وإلا فانك من حيث لا تعلمين سوف تحدين من مقدرته على الإبداع وتوسيع المدارك ودعم الخيال المنتج..

ومادام أن حدوث هذه الفوضى ضروري ويتعذر تجنبه فالواجب أن نفكر بطريقة تقلل الخسائر وتحجمها فمثلا محاولة تخصيص غرفة للعب آو تحديد صالة الجلوس وإغلاق ما دونها من بقية المرافق كغرف النوم والمجالس مع محاولة إعطائه ساعة أو ساعتين حرية التنقل والصبر على توسيخ ملابسه واتساخ يده ببقايا الطعام أو آثار التلوين القابل للتنظيف وبعد انتهاء هذه الفترة يعاد تنظيف هذه الغرفة وتغيير ملابس الطفل بعد حمام دافئ ليخلد الى النوم بعد أن امتلأ رأسه بالخبرات الجديدة..
ولا تتوقعي وأنت أم لطفل في هذه السن أن تجدي كل شيء في مكانه مرتبا ومنظما ،فأنت تطلبين مستحيلا فالأفضل إن تتأقلمي على قليل من الفوضى ويصبرك على ذلك ان تعرفي ان هذه من وسائل تعلم هذا الطفل الصغير..

من الخطأ أيضا أن تتحملي أنت عبأ الترتيب والتنظيف وحدك دائما، من الجيد تربويا أن تدربي طفلك على تحمل بعض الأخطاء بشكل رمزي كأن يعيد تجميع بعض الوسائد التي بعثرها وان يرمي بالمناديل التي خلفها في صندوق القمامة، وان يمسح بالمنشفة بقايا العصير التي دلقها على المفرش، ولو مرة بمرة ليتعلم ان الفوضى التي تسبب فيها تجلب له بعض التعب والعمل غير الممتع، وبعد كل جهد يقوم به حاولي تشجيعه ومكافأته والإشادة به لتزرعي مبدأ النظافة والترتيب وعدم الفوضوية في نفس الطفل، وكان الله في عون الجميع!!.
----------


د. أنوار عبدالله أبو خالد
جريدة الرياض

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.