فجِّر طاقاته بالتشجيع

كاتب المقال: الإدارة
التاريخ: الاثنين, يونيو 15, 2015 - 09:37

لعله كثير الأخطاء..كثير المشكلات.. متعدد العيوب والسلبيات ..صاحب أشهر سجل طفولي في الاشتباك مع أقرانه وضرب وإيذاء أخوته ، بصماته واضحة على كل ركن من أركان المنزل بالتكسير والتخريب والتدمير..
لا يلقي بالاً لأوامرك.. ولا يلتفت لتحذيراتك.. ولا يفكر يوماً في طاعتك..ينجح ببراعة دوماً في استثارتك.. ورفع درجات انفعالك للدرجات القصوى.. حتى يفيض الكيل ، ويبلغ السيل الزبى ، ولا يبقى إلا العقاب المؤلم وسيلة للتعامل مع هذا الطفل المزعج..
ولكن مهلاً..هل لاحظت يوماً ما يحدث عندما يتلقى منك كلمة ثناء أو عبارة تشجيع أو ابتسامة رضا..؟؟
هل لاحظت كيف يشرأب عنقه وتلمع عيناه وتعلو ابتسامته ويزداد نشاطه وتتحفز حواسه وتتفجر طاقاته..
هل لاحظت أنه في أمس الحاجة لثنائك قبل عقابك..
ولتشجيعك أكثر من لومك..
ولحبك وحنانك أكثر من عصاك وعواصف توبيخك..
تعالى معاً نتوقف عند سر من أسرار تطويع الأبناء ، وتفجير طاقاتهم ، وتعديل سلوكهم من خلال وسيلة مختلفة هي التشجيع أو الثناء أو الدعم الإيجابي..
كيف يؤثر التشجيع على سلوك الأبناء؟؟
يعتبر التشجيع وقود الحياة ، والحافز الأساسي وراء كل ابتكار أو عمل مفيد ونافع ، وقد أكدت الدراسات أن التشجيع من أفضل الوسائل التربوية لتقويم سلوك الأبناء ؛ حيث تتطلع النفس البشرية بفطرتها إلى الثناء والتقدير والحصول على الدعم الإيجابي ، وهو ما يمكن استغلاله بقوة لتدعيم السلوكيات الإيجابية وتعديل السلوكيات غير المرغوبة لدى الأبناء..
وقد أوضحت التجارب التربوية أن الطفل يسير حسب القالب الذي يضعه فيه المربي ، فإذا كان المربي ينعت الطفل دائماً بالغباء ويطارده بكلمة "أنت غبي" -حتى ولو كانت تصرفاته توحي بذلك- فإن النتيجة أن الطفل سيشعر بالغباء ، ويتلمس الجوانب التي تضعه على حدود هذا الوصف ، ولاسيما أنه يتصور أن حكم الكبار صائب وقاطع ، أما لو كان وصف المربي له " أنت ذكي" ذهب لكي يستثمر كل إمكانات الذكاء لديه ليثبت أنه كذلك ، ولكي يحافظ على هذا الثوب الحسن الذي ألبسه إياه المربي ، ويستمر في لبسه ويشعر أنه ملكه وأنه لابد أن يحافظ عليه..
كما أن الطفل يشعر من خلال التشجيع بأنه قد اعتلى مرتبة متميزة عليه أن يحافظ عليها ؛ فإذا ارتكب خطأ أو أظهر تقصيراً وسحبت منه هذه المرتبة أو تلك الميزة ، شعر بأنه افتقدها ، وأصبح ذلك محفزاً لاستعادة مرتبته السابقة.
والسؤال الآن كيف يمكن استخدام أسلوب التشجيع لا سيما مع الطفل كثير الخطأ متعدد المشكلات ، وهل يعتبر ذلك تشجيعاً له على الاستمرار في أخطائه.. 
أسلوب التشجيع له صورتان أساسيتان:
** تدعيم السلوكيات الحسنة..
** تعديل السلوكيات الخاطئة..وهي ما تعرف بالطريقة الإبدالية..
أما عن تدعيم السلوكيات الحسنة فهذه هي الطريقة الأسهل ؛ حيث لا يطلب من المربي سوى تذكر السلوكيات الإيجابية أو المواقف الحسنة ، ومن ثم التوقف عندها ، والتعليق عليها بصورة إيجابية..
مثال: طفل استيقظ من نومه وحده في الموعد المحدد للمدرسة ، فهنا لابد من الانتباه لهذا الفعل حتى لو قام به مصادفة ، والبدء في تشجيعه بالكلمات والعبارات الدافعة والمرغبة في تكراره ، "مثل أنت رائع اليوم ، بورك فيها ، هذا هو نشاط وهذه هي همة الرجال.."
ويمكن أن يتعدى التشجيع إلى الاحتضان ، والتقبيل ، ووضع نجوم لاصقة في جدول على لوحة في غرفته ، فإذا أكمل خمس نجمات متوالية يمكنه اختيار لعبة محببة أو الفوز برحلة نهاية الأسبوع..
وتكمن صعوبة هذه الطريقة في أننا دائماً ما ننسى السلوكيات الإيجابية لدى الأبناء في غمرة الغضب من المواقف السيئة..ولكن قليل من الجهد ودقة الملاحظة سيعيننا على التقاط مثل هذه المواقف الإيجابية لتدعيمها..
ولكن ماذا لو كانت السلوكيات غير الإيجابية هي الطاغية على شخصية الطفل..
في هذه الحالة يمكن استخدام الطريقة الثانية وهي الطريقة الإبدالية..
** وهذه الطريقة تتميز بأنها طويلة الأجل وتحتاج لبعض الجهد والوقت ، وتتحقق من خلال الخطوات التالية:
- حدد نمط السلوك غير المرغوب في طفلك : مثل كثرة كذبه ، شجاره الدائم مع أخوته ..عدم إصغائه لكلمات الأب والأم..
- حدد السلوك المقابل لهذا السلوك السلبي : مثل التزامه الصدق ، تعامله بهدوء مع أخوته ، إصغائه باهتمام لكلمات الوالدين..
- انتظر حتى يقوم الطفل بآداء السلوك المرغوب..فمن المتوقع أن الطفل الدائم الكذب ، يمكن أن يصدق ولو مرة واحدة ، ومن الممكن أن الطفل كثير الشجار تمر عليه لحظات هدوء وسلام مع أخوته ، ومن المحتمل أن الطفل اللامبالي يهتم ولو مرة واحدة بكلام والديه ويقوم بتنفيذه ، وعندها يقوم المربي بالتقاط هذا السلوك الذي حدث ولو مصادفة والحديث عنه وتدعيمه بالكلمات والتعليقات الإيجابية واستخدام المحفزات المختلفة السابقة..
وعندها سيشعر الطفل بأنه قدَّم شيئاً متميزاً ، ونال مكانة خاصة سيحرص على بلوغها والتزام السلوك الجيد..
ملاحظات:
- لابد من الحرص في استخدام وسائل التشجيع خاصة المادية منها ؛ فالإسراف في استخدام المحفزات العينية المادية قد يجعل الطفل متطلع دائماً لمثل هذه المكافآت ، ولا يسلك السلوك الجيد إلا بمقابل مادي..كما أنه قد يفقد عملية التربية مضمونها حيث يلتزم الطفل من أجل المكافأة لا من أجل السلوك الجيد في ذاته..
- من أفضل وسائل التشجيع " التشجيع الشفهي" ، والذي يمنح الطفل شعوره بتقدير الذات ، كما يعينه على فهم أسباب تشجيعنا لهذا السلوك ومردوده عليه في المستقبل..مثل "ما أروع إقبالك على حفظ القرآن الكريم ، وهو ما سيعود عليك بخير الدنيا والآخرة..إلخ..وهنا يتحول التزام الطفل بالسلوك الجيد من مجرد الحصول على المدح والثناء إلى محبة هذا السلوك وتقديره بشكل ذاتي..
- قد تواجه المربي مشكلة وهي تكرار الطفل لنفس الخطأ بمجرد حصوله على المكافأة ؛ فبعض الأطفال وبمجرد حصوله على المكافأة سواء كانت شفهية أو عينية يتصور أنه أصبح حراً ، وأن بإمكانه فعل ما يريد ، وهنا على المربي أن يشعره بغضبه وحزنه ، وأنه سيقوم بالتوقف عن مكافأته أو نزعه منها إذا كرر الخطأ ، ولابد من تنفيذ ذلك ليشعر الطفل بالجدية..
وهذه هي الصورة المواجهة للتدعيم الإيجابي والتي تشعر الطفل بالفارق بين الصواب والخطأ ، وبين الالتزام وعدم الالتزام..
ونذكِّر أنه لابد من الصبر والهدوء والتزام القواعد في تربية الأبناء للحصول على أفضل النتائج الممكنة..

 

 

أ. شروق محمد

سجل دخول أو إنشئ حساب جديد الأن لإضافة تعليق.